التفاسير

< >
عرض

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ
٣٢
-التوبة

محاسن التأويل

{ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ } أي: يخمدوا حجته الدالة على وحدانيته، وتقدسه عن الولد، أو القرآن، أو نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ } أي: بإعلاء التوحيد، وإعزاز الإسلام { وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } أي: بدلائل التوحيد، ذلك. قال أهل المعاني: نور الله استعارة أصلية تصريحية لحجته أو ما بعدها، لتشبيه كل منها بالنور في الظهر، والإطفاء ترشيح، أو هو استعارة تمثيلية، شبه حالهم في محاولتهم إبطال النبوة بالتكذيب، بحال من يطلب إطفاء نور عظيم، منبث في الآفاق، يريد الله أن يزيده بنفخه.
لطائف
الأولى: قال الشهاب: روعي في كل من المشبه والمشبه به الإفراط والتفريط، حيث شبه الإبطال بالإطفاء بالفم، ونسب النور إلى الله، ومن شأن النور المضاف إليه أن يكون عظيماً، فكيف يطفأ بنفخ الفم، مع ما بين الكفر الذي هو ستر وإزالة للظهور، والإطفاء من المناسبة.
الثانية: لا يخفى أن قوله تعالى: { إِلَّا أَنْ يُتِمَّ } استثناء مفرغ، وهو في محل نصب مفعول به، والإستثناء المفرغ يكون في الفعل المنفي لا موجب، إلا أن يستقيم المعنى. وهنا صح التفريغ من الموجب وهو: { وَيَأبى اللهُ } لأنه نفى في المعنى، لأنه وقع في مقابلة: { يُرِيدُونَ } وفيه من المبالغة والدلالة على الإمتناع ما ليس في نفي الإرادة، أي: لا يريد شيئا من الأشياء إلا إتمام نوره، فيندرج في المستثنى منه بقاؤه على ما كان عليه، فضلاً عن الإطفاء - أفاده أبوا السعود -.
وقال الزجاج: المستثنى منه محذوف تقديره: ويكره الله كل شيء إلا إتمام نوره.
وقال الشهاب: فالمعنى على العموم المصحح للتفريغ عنده، فللناس في توجيه التفريغ هنا مسلكان. والحاصل أنه إن أريد كل شيء يتعلق بنوره بقرينة السياق، صح إرادة العموم، ووقوع التفريغ في الثابتات، كما ذهب إليه الزجاج، إذ ما من عامّ إلا وقد خُصِّص، فكل عموم نسبي، لكنه يكتفي به، ويسمى عموماً. ألا ترى إن مثالهم قرأت إلا يوم كذا، قد قدّره كل يوم، والمراد من أيام عمره، لا من أيام الدهر. فإن نظر إلى الظاهر في أمثاله كان عامّاً، واستغنى عن النفي، وإن نظر إلى نفس الأمر، فهو ليس بعام، فيؤول بالنفي، والمعنى فيهما واحد وإنما أوّل به هنا عند من ذهب إلى تأويله، لاقتضاء المقابلة له، إذ ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بالنفي، فيلزمه جريان التفريغ في كل شيء، وليس كذلك ما صرح به الرضي. ولذا قيل: الاستثناء المفرغ، وإن اختص بالنفي، إلا أنه قد يمال مع المعنى بمعونة القرائن، ومناسبة المقامات، فيجري بعض الإيجابات مجرى النفي في صحة التفريغ معها - ذكره الشهاب أيضاً -.
الثالثة: قال أبو السعود: وفي إظهار النور في مقام الإضمار مضافاً إلى ضميره عز وجل زيادة اعتناء بشأنه، وتشريف له على تشريف، وإشارة بعلة الحكم.