مكتبة التفاسير
فهرس القرآن
التفاسير الأكثر قراءة
كتب أخرىٰ
التفاسير العظيمة
التفاسير العظيمة
يحتوي الموقع على 91 تفسير للقرآن الكريم و 25 كتاب في علوم القرآن
English
القائمة
الرئيسية
القرآن والتجويد
التفاسير
علم القراءات
علوم القرآن
بحث وفهارس
كتب متفرقة
تراجم
دراسات قرانية
الإعجاز العلمي
خريطة الموقع
نبذة عنا
الصفحة الرئيسية
>
مكتبة التفاسير
>
كتب التفاسير
التفاسير
١ الفاتحة
٢ البقرة
٣ آل عمران
٤ النساء
٥ المائدة
٦ الأنعام
٧ الأعراف
٨ الأنفال
٩ التوبة
١٠ يونس
١١ هود
١٢ يوسف
١٣ الرعد
١٤ إبراهيم
١٥ الحجر
١٦ النحل
١٧ الإسراء
١٨ الكهف
١٩ مريم
٢٠ طه
٢١ الأنبياء
٢٢ الحج
٢٣ المؤمنون
٢٤ النور
٢٥ الفرقان
٢٦ الشعراء
٢٧ النمل
٢٨ القصص
٢٩ العنكبوت
٣٠ الروم
٣١ لقمان
٣٢ السجدة
٣٣ الأحزاب
٣٤ سبأ
٣٥ فاطر
٣٦ يس
٣٧ الصافات
٣٨ ص
٣٩ الزمر
٤٠ غافر
٤١ فصلت
٤٢ الشورى
٤٣ الزخرف
٤٤ الدخان
٤٥ الجاثية
٤٦ الأحقاف
٤٧ محمد
٤٨ الفتح
٤٩ الحجرات
٥٠ ق
٥١ الذاريات
٥٢ الطور
٥٣ النجم
٥٤ القمر
٥٥ الرحمن
٥٦ الواقعة
٥٧ الحديد
٥٨ المجادلة
٥٩ الحشر
٦٠ الممتحنة
٦١ الصف
٦٢ الجمعة
٦٣ المنافقون
٦٤ التغابن
٦٥ الطلاق
٦٦ التحريم
٦٧ الملك
٦٨ القلم
٦٩ الحاقة
٧٠ المعارج
٧١ نوح
٧٢ الجن
٧٣ المزمل
٧٤ المدثر
٧٥ القيامة
٧٦ الإنسان
٧٧ المرسلات
٧٨ النبأ
٧٩ النازعات
٨٠ عبس
٨١ التكوير
٨٢ الانفطار
٨٣ المطففين
٨٤ الانشقاق
٨٥ البروج
٨٦ الطارق
٨٧ الأعلى
٨٨ الغاشية
٨٩ الفجر
٩٠ البلد
٩١ الشمس
٩٢ الليل
٩٣ الضحى
٩٤ الشرح
٩٥ التين
٩٦ العلق
٩٧ القدر
٩٨ البينة
٩٩ الزلزلة
١٠٠ العاديات
١٠١ القارعة
١٠٢ التكاثر
١٠٣ العصر
١٠٤ الهمزة
١٠٥ الفيل
١٠٦ قريش
١٠٧ الماعون
١٠٨ الكوثر
١٠٩ الكافرون
١١٠ النصر
١١١ المسد
١١٢ الاخلاص
١١٣ الفلق
١١٤ الناس
<
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
>
--- كل المدارس ---
أمهات التفاسير
تفاسير أهل السنة
تفاسير أهل السنة الصوفية
تفاسير أهل السنة السلفية
تفاسير ميسرة
تفاسير الشيعة الإثنى عشرية
تفاسيرالزيدية
تفاسيرالاباضية
تفاسير حديثة
تفاسير مختصرة
--- اختر التفسير---
تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ)
بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ)
النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ)
معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ)
زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ)
تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ)
مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ)
لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ)
البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ)
التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ)
غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ)
الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ)
اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ)
الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ)
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ)
مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ)
الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ)
تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ)
الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ)
التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ)
التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ)
تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ)
حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ)
تفسير سفيان الثوري/ عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (ت161هـ)
تفسير النسائي/ النسائي (ت 303 هـ)
تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ)
محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ)
تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ)
تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ)
كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ)
عرض
إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ
١٥٨
-البقرة
أضف للمقارنة
تفسير المنار
علم مما تقدم أن مسألة تحويل القبلة جاءت في معرض الكلام عن معاندة المشركين وأهل الكتاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فكان التحويل شبهةً من شبهاتهم، وتقدم أن من لوازم حكم تحويل القبلة إلى البيت الحرام توجيه قلوب المؤمنين إلى الاستيلاء عليه - كما يوجهون إليه وجوههم - لأجل تطهيره من الشرك والآثام، كما عهد الله إلى أبويهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وإلا كانوا راضين باستقبال الأصنام، وإن في طي
{
{ ولأتم نعمتي عليكم }
[البقرة: 150] بشارة بهذا الاستيلاء، مفيدة للأمل والرجاء، وقد علم الله المؤمنين بعد هذه البشارة ما يستعينون به على الوصول إليها هي وسائر مقاصد الدين من الصبر والصلاة، وأشعرهم بما يلاقون في سبيل الحق من المصائب والشدائد، فكان من المناسب بعد هذا أن يذكر شيئًا يؤكد تلك البشارة ويقوي ذلك الأمل، فذكر شعيرةً من شعائر الحج هي السعي بين الصفا والمروة، فكان ذكرها تصريحًا ضمنيا بأن سيأخذون مكة ويقيمون مناسك إبراهيم فيها، وتتم بذلك لهم النعمة والهداية، وهو قوله عز وجل: { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } فهذه الآية ليست منقطعةً عن السياق السابق لإفادة حكمٍ جديدٍ لا علاقة له بما قبله كما توهم ; بل هي من تتمة الموضوع ومرتبطة به أشد الارتباط، من حيث هي تأكيد للبشارة، ومن حيث إن الحكم الذي فيها من مناسك الحج التي كان عليها إبراهيم الذي أحيا النبي - صلى الله عليه وسلم - ملته وجعلت الصلاة إلى قبلته ; كأنه قال: لا تلوينكم قوة المشركين في مكة، وكثرة الأصنام على الكعبة والصفا والمروة عن القصد إلى تطهير البيت الحرام، وإحياء تلك الشعائر العظام، كما لا يلوينكم عن استقبال البيت تقول أهل الكتاب والمشركين، ولا زلزال مرضى القلوب من المنافقين، بل ثقوا بوعد الله واستعينوا بالصبر والصلاة.
الصفا والمروة: جبلان، أو علما جبلين بمكة والمسافة بينهما 760 ذراعًا ونصف، والصفا تجاه البيت الحرام، وقد علتهما المباني وصار ما بينهما سوقًا. والشعيرة والشعار والشعارة تطلق على المكان أو الشيء الذي يشعر بأمرٍ له شأن، وأطلق على معالم الحج ومواضع النسك وتسمى مشاعر "جمع مشعرٍ" وعلى العمل الاجتماعي المخصوص الذي هو عبادة ونسك، ففي آيةٍ أخرى
{
{ لا تحلوا شعائر الله }
[المائدة: 2] وهي مناسك الحج ومعالمه، ومنه إشعار الهدي وهو جرح ما يهدى إلى الحرم من الإبل في صفحة سنامه ليعلم أنه نسك، ويشعر البقر أيضًا دون الغنم، ومن شواهده في اللغة شعار الحرب وهو ما يتعارف به الجيش. قال شيخنا: ورمى رجل جمرةً فأصابت جبهة عمر
رضي الله عنه
فقال رجل: شعرت جبهة أمير المؤمنين، يريد جرحت، سمي الجرح بذلك ; لأنه علامة، وقال عند ذلك رجل لهبي: سيقتل أمير المؤمنين، وكان ما قال.
فأما كون المواضع كالصفا والمروة من علامات دين الله أو أعلام دينه فظاهر، وأما كون المناسك والأعمال شعائر وعلاماتٍ فوجهه أن القيام بها علامة على الخضوع لله تعالى وعبادته إيمانًا وتسليمًا. فالشعائر إذن لا تطلق إلا على الأعمال المشروعة التي فيها تعبد لله تعالى ; ولذلك غلب استعمال الشعائر في أعمال الحج لأنها تعبدية. قال في الصحاح: الشعائر أعمال الحج، وكل ما جعل علمًا لطاعة الله عز وجل. وقال الزجاج في قوله تعالى: { لا تحلوا شعائر الله } أي جميع متعبداته التي أشعرها الله ; أي: جعلها إعلامًا لنا إلخ، فهو يريد أن الشعائر من أشعره بالشيء: أعلمه به. وقد صرح بذلك ولكنه لا يدل بهذا على معنى التعبد ; إذ قد أعلمنا الله تعالى بالأحكام التي لا تعبد فيها أيضًا، والشعائر لم تطلق في القرآن إلا على مناسك الحج الاجتماعية، وألحق بها بعضهم ما في معناها من عبادات الإسلام الاجتماعية كالأذان وصلاة الجمعة والعيدين.
الأستاذ الإمام في الأحكام التي شرعها الله تعالى نوع يسمى بالشعائر، ومنها ما لا يسمى بذلك كأحكام المعاملات كافةً ; لأنها شرعت لمصالح البشر فلها علل وأسباب يسهل على كل إنسانٍ أن يفهمها فهذا أحد أقسام الشرائع، والقسم الثاني: هو ما تعبدنا الله تعالى به كالصلاة على وجهٍ مخصوصٍ، وكالتوجه فيها إلى مكانٍ مخصوصٍ سماه الله بيته مع أنه من خلقه كسائر العالم. فهذا شيء شرعه الله وتعبدنا به لعلمه بأن فيه مصلحةً لنا ولكننا نحن لا نفهم سر ذلك تمام الفهم من كل وجه.
أقول: وهذا النوع يوقف فيه عند نص ما شرعه الله تعالى، لا يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يقاس عليه، ولا يؤخذ فيه برأي أحدٍ ولا باجتهاده، إذ لو أبيح للناس الزيادة في شعائر الدين باجتهادهم في عموم لفظٍ أو قياسٍ لأمكن أن تصير شعائر الإسلام أضعاف ما كانت عليه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يفرق أكثر الناس بين الأصل المشترع والدخيل المبتدع، فيكون المسلمون كالنصارى، فكل من ابتدع شعيرةً أو عبادةً في الإسلام فهو ممن يصدق عليهم قوله تعالى:
{
{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }
[الشورى: 21] وإنما الاجتهاد في مثل تحري القبلة من العمل التعبدي، وفي القضاء، وليراجع القارئ تفسير قوله تعالى:
{
{ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم }
[المائدة: 101] وقوله:
{
{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله }
[التوبة: 31] ومن العبث أن يعمل الإنسان ما لا يعرف له فائدةً لقول من هو مثله وهو مستعد لأن يفهم كل ما يفهمه! ولا يأتي هذا العبث في امتثال أمر الله تعالى لأنا نعتقد أنه برحمته وحكمته لا يشرع لنا إلا ما فيه خيرنا ومصلحتنا، وأنه بعلمه المحيط بكل شيءٍ يعلم من ذلك ما لا نعلم، والتجربة تؤيد هذا الاعتقاد فإن الطائعين القائمين بحقوق الدين تصلح أحوالهم في الدنيا، ويرجى لهم في الآخرة ما يرجى، وإن لم يفهموا فهمًا كاملًا فائدة كل جزئيةٍ من جزئيات العمل، فمثلهم كما قال الغزالي مثل من وثق بالطبيب وجرب دواءه فوجده نافعًا ولكنه لا يعرف أية فائدةٍ لكل جزءٍ من أجزائه ونسبته إلى الأجزاء الأخرى، وحسبه أن يعلم أن هذا الدواء المركب نافع يشفي بإذن الله من المرض. السعي بين الصفا والمروة من هذا النوع التعبدي، فهو مطلوب بقوله تعالى: { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } حج البيت: قصده للنسك والإتيان بالمناسك المعروفة هنالك، وسيأتي تفصيلها في هذا الجزء. والاعتمار: مناسك العمرة وهي دون مناسك الحج، فليس في العمرة وقوف بعرفة ولا مبيت بمزدلفة ولا رمي جمارٍ في منًى. والجناح بالضم: الميل إلى الإثم، كجنوح السفينة إلى وحلٍ ترتطم فيه، والإثم نفسه وأصله من جناح الطائر. ويطوف بتشديد الواو من التطوف وهو تكرار الطواف أو تكلفه. والمعنى فليس عليه شيء من جنس الجناح - وهو الميل والانحراف عن جادة النسك - في التطوف بهما، وهذا التطوف هو الذي عرف في الاصطلاح بالسعي بين الصفا والمروة وفسرته السنة بالعمل، وهو من مناسك الحج بالإجماع والعمل المتواتر، وإذا كان مشروعًا فسواء كان ركنًا كما يقول مالك والشافعي وغيرهما، أو واجبًا كما يقول الحنفية، أو مندوبًا كما روي عن أحمد.
وقالوا في حكمة التعبير عنه بنفي الجناح الذي يصدق بالمباح: إنه للإشارة إلى تخطئة المشركين الذين كانوا ينكرون كون الصفا والمروة من الشعائر، وأن السعي بينهما من مناسك إبراهيم، فهو لا ينافي الطلب جزمًا. وكذلك قوله تعالى: { ومن تطوع خيرًا } في هذا التطوف وغيره أو كرر الحج أو العمرة فزاد على الفريضة ; أي: تحمله طوعًا - كما قال الراغب - فإن التطوع في اللغة: الإتيان بما في الطوع أو بالطاعة أو تكلفها أو الإكثار منها، وأطلق على التبرع بالخير ; لأنه طوع لا كره ولا إكراه فيه، وعلى الإكثار من الطاعة بالزيادة على الواجب ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي: "إلا أن تطوع" أي تزيد على الفريضة { فإن الله شاكر عليم } أي: فإن الله يثيبه ; لأنه شاكر يجزي على الإحسان، عليم بمن يستحق الجزاء.
وروى البخاري عن ابن عباسٍ ما يدل على أن للسعي بين الصفا والمروة أصلًا من ذكرى نشأة الدين الأولى بمكة في عهد إبراهيم وإسماعيل كغيره من شعائر الله؟ وخلاصته أنه لما كان بين إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وامرأته (سارة) ما كان (من حملها إياه على طرد سريته هاجر مع طفلها إسماعيل وهو مذكور في الفصل 21 من سفر التكوين) خرج بهما إلى برية فاران (أي مكة) فوضعهما في مكان زمزم تحت دوحةٍ ولم يكن هنالك سكان ولا ماء، ووضع عندها جرابًا فيه تمر - وفي سفر التكوين أنه زودها بخبزٍ - وسقاءً فيه ماء ثم رجع فقالت له: إلى من تتركنا؟ قال: "إلى الله" قالت: رضيت بالله. وهنالك دعا إبراهيم بما حكاه الله عنه في سورته:
{
{ ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ }
[إبراهيم: 37] إلى قوله -
{
{ يشكرون }
[إبراهيم: 37] فلما نفد الماء عطشت وجف لبنها وعطش ولدها فجعل يتلوى وينشغ (يشهق للموت) فكانت تذهب فتصعد الصفا تنظر هل ترى أحدًا فلم تحس أحدًا، ثم تذهب فتصعد المروة فلم تر أحدًا، ثم ترجع إلى ولدها فتراه ينشغ، فعلت ذلك سبعة أشواطٍ، وبعد الأخير وجدت عنده صوتًا فقالت: أغث إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك جبريل عند زمزم فغمز بعقبه الأرض فانبثق الماء فجعلت تشرب ويدر لبنها على صبيها، ومر ناس من جرهم بالوادي فإذا هم بطيرٍ عائفةٍ - أي تخومٍ على الماء - فاهتدوا إليه وأقاموا عنده ونشأ إسماعيل معهم. قال ابن عباسٍ لما ذكر سعيها بين الصفا والمروة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فذلك سعي الناس بينهما".
الأستاذ الإمام: وصف الباري تعالى بالشاكر لا يظهر على حقيقته فلا بد من حمله على المجاز، فالشكر في اللغة: مقابلة النعمة والإحسان بالثناء والعرفان، وشكر الناس لله في اصطلاح الشرع: عبارة عن صرف نعمه فيما خلقت لأجله، وكلاهما لا يظهر بالنسبة إلى الله تعالى، إذ لا يمكن أن يكون لأحدٍ عنده يد أو يناله من أحدٍ نعمة يشكرها له بهذا المعنى. فالمعنى إذن أن الله تعالى قادر على إثابة المحسنين، وأنه لا يضيع أجر العاملين، فبهذا المعنى سميت مقابلة العامل بالجزاء الذي يستحقه شكرًا، وسمى الله تعالى نفسه شاكرًا. وأزيد على قول الأستاذ: أن الله تعالى وعد الشاكرين لنعمه بالمزيد منها، فسمي هذا شكرًا من باب المشاكلة.
والنكتة في اختيار هذا التعبير تعليمنا الأدب، فقد علمنا
سبحانه
وتعالى
بهذا أدبًا من أكمل الآداب بما سمى إحسانه وإنعامه على العاملين شكرًا لهم مع أن علمهم لا ينفعه ولا يدفع عنه ضرا، فيكون إنعامًا عليه ويدًا عنده، وإنما منفعته لهم، فهو في الحقيقة من نعمه عليهم إذ هداهم إليه وأقدرهم عليه، فهل يليق بمن يفهم هذا الخطاب الأعلى أن يرى نعم الله عليه لا تعد ولا تحصى وهو لا يشكره ولا يستعمل نعمه فيما سيقت لأجله؟ ثم هل يليق به أن يرى بعض الناس يسدي إليه معروفًا ثم لا يشكره له ولا يكافئه عليه، وإن كان هو فوق صاحب المعروف رتبةً وأعلى منه طبقةً؟ فكيف وقد سمى الله - تعالى جده وجل ثناؤه - إنعامه على من يحسنون إلى أنفسهم وإلى الناس شكرًا، والله الخالق وهم المخلوقون، وهو الغني الحميد وهم الفقراء المعوزون؟.
شكر النعمة والمكافأة على المعروف من أركان العمران، وترك الشكر والمكافأة مفسدة لا تضاهيها مفسدة ; إذ هي مدعاة ترك المعروف كما أن الشكر مدعاة المزيد ; ولذلك أوجب الله تعالى علينا شكره، وجعل في ذلك مصلحتنا ومنفعتنا ; لأن كفران نعمه بإهمالها أو بعدم استعمالها فيما خلقت لأجله أو بعدم ملاحظة أنها من فضله وكرمه تعالى، كل ذلك من أسباب الشقاء والبلاء.
وأما تركنا شكر الناس وتقدير أعمالهم قدرها سواء كان عملهم النافع موجهًا إلينا أو إلى غيرنا من الخلق، فهو جناية منا على الناس وعلى أنفسنا ; لأن صانع المعروف إذا لم يلق إلا الكفران فإن الناس يتركون عمل المعروف في الغالب، فنحرم منه ونقع مع الأكثرين في ضده فنكون من الخاسرين، وإنما قلنا "في الغالب" لأن في الناس من يصنع المعروف ويسعى في الخير رغبةً في الخير والمعروف وطلبًا للكمال، ولكن أصحاب هذه النفوس الكبيرة والأخلاق العالية التي لا ينظر ذووها إلى مقابلة الناس لأعمالهم بالشكر، ولا يصدهم عن الصنيعة جهل الناس بقيمة صنيعتهم، قلما تلد القرون واحدًا منهم، ثم إن كفران النعم لا بد أن يؤثر في نفس من عساه يوجد منهم فإن لم يكن أثره ترك السعي والعمل، كان الفتور والوني فيه، وإذا لم يدع المعروف فاعله لكفران الناس لسعيه تركه لليأس من فائدته، أو للحذر من سوء مغبته ; إذ الحاسدون من الأشرار يسعون دائمًا في إيذاء الأخيار، كذلك الشكر يؤثر في إنهاض همة أعلياء الهمة من المخلصين في أعمالهم الذين لا يريدون عليها جزاءً ولا شكورًا ; ذلك أنهم يرون عملهم الخير نافعًا فيزيدون منه، كما أنهم إذا رأوه ضائعًا يكفون عنه.
قال الأستاذ الإمام بعد بيان حسن أثر الشكر في المخلصين: ويروون في هذا حديثًا ارتقى به بعضهم إلى درجة الحسن وهو "عجبت لمحمدٍ كيف يسمن من أذنيه" أي كان إذا ذكرت أعماله الشريفة وسعيه في الخير المطلق يسر ويسمن، هذا وهو - صلى الله عليه وسلم - أخلص المخلصين الفاني في الله تعالى لا يبتغي بعمله غير مرضاته، فكيف لا يكون غيره أجدر بذلك ممن إذا سلم من الانبعاث إلى الخير بباعث الشكر والثناء فلا يكاد يسلم من حب الثناء لذاته فضلًا عن مقت الكفران والكنود؟
x
x
x
x
x
x
x
x
x
x
اختر كتب التفسير المراد اضافتها للمقارنة :
--- كل المدارس ---
أمهات التفاسير
تفاسير أهل السنة
تفاسير أهل السنة الصوفية
تفاسير أهل السنة السلفية
تفاسير ميسرة
تفاسير الشيعة الإثنى عشرية
تفاسيرالزيدية
تفاسيرالاباضية
تفاسير حديثة
تفاسير مختصرة
موافق
أعلى الصفحة
2024 © جميع الحقوق محفوظة