التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
١٤
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٥
قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦
-يونس

بحر العلوم

قوله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَـٰكُمْ خَلَـٰئِفَ } يعني جعلناكم يا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - { خَلَـٰئِفَ فِى ٱلأرْضِ مِن بَعْدِهِم } يعني من بعد هلاكهم { لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } وهذا على معنى التهديد. يعني إنْ كانت معاملتكم مثل معاملتهم في تكذيب الرسل أهلكتكم كما أهلكت تلك القرون. قوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا بَيّنَاتٍ } يعني القرآن { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } يعني كفار قريش لما سمعوا القرآن، قالوا { ٱئْتِ بِقُرْءانٍ غَيْرِ هَـٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ } يعني امحه وانسخه فإِنا نجد فيه تحريم عبادة الأوثان وما نحن عليه، وهذا قول الضحاك. وقال الكلبي { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } يعني المستهزئين وكانوا خمسة رهط { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } يعني لا يخافون البعث بعد الموت { ٱئْتِ بِقُرْءانٍ غَيْرِ هَـٰذَا أَوْ بَدّلْهُ } ائت يا محمد، أو اجعل مكان آية الرحمة آية العذاب ومكان آية العذاب آية الرحمة. وقال الزجاج: معناه بقرآن ليس فيه ذكر البعث والنشور وليس فيه عيب آلهتنا، أو بدل منه ذكر البعث والنشور. { قُلْ مَا يَكُونُ لِى } يعني قل: ما يجوز لي { أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِى } يقول: من قبل نفسي { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } يعني: لا أعمل إلا ما أومر به وأنزل عليَّ من القرآن { إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى } يعني أعلم أني لو فعلت ما لم أؤمر به أصابني { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني يوم القيامة. قال مقاتل والكلبي: نسختها { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2] يعني: ما قرأته ولا عرضته عليكم. { وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ } أي: ولا أعلمكم به، ومعناه أن الله تعالى لو لم يجعلني رسولا (إليكم) ما تلوته عليكم كما لم أتل عليكم قبل الوحي. ويقال معناه لو رضي الله لكم ما أنتم عليه من الكفر والجهل ما بعثني إليكم رسولا. قرأ أبو عمرو وحمزة ونافع في رواية ورش والكسائي ولا أَدْرِيكُمْ بكسر الراء. وقرأ الباقون بالنصب وهما لغتان، ومعناهما واحد. وعن الحسن أنه قرأ ولا أدرأتكم بالتاء قال أبو عبيدة ما أرى ذلك إلا غلطاً منه في الرواية لأنه لا مخرج لها في العربية ثم قال { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ } يعني إلى أربعين سنة من قبل هذا القرن. فهل سمعتموني أقرأ شيئاً من هذا عليكم { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أَنِّي لم أتقوله من تلقاء نفسي. ولكنه وحي الله من عنده لأنه لو كان من تلقاء نفسي لسمعتم مني قبل هذا شيئاً منه.