التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
٨
وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ
٩
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
١٠
إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١١
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
١٢
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٣
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ
١٤
-هود

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } يعني سنيناً معلومة. يعني إلى الوقت الذي جعل أجلهم. وقال القتبي يعني: إلى حين بغير توقيت وقوله { { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [يوسف: 45] إنما هو سبع سنين { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } يعني العذاب على وجه الاستهزاء { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ } يعني العذاب { لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } يعني: ليس أحد يصرف العذاب عنهم إذا نزل بهم في الدنيا وفي الآخرة { وَحَاقَ بِهِم } يعني: نزل بهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } قوله تعالى: { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً } يعني: أصبنا الإنسان منا (رحمة) يعني نعمة وخيراً وعافية { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } يعني آيس من رحمة الله كفور بنعم الله تعالى. ثم قال { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ } يعني: أعطيناه خيراً وعافية وسعة في الرزق { بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ } يعني: أصابته { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيّئَاتُ عَنّي } يعني لا يشكر الله تعالى. ذكر في الابتداء لَيَقُولَنَّ بنصب اللام بلفظ الواحد (لتقديم الفعل) على الاسم. وفي الثاني بضم اللام لأنه فعل الجماعة ولم يذكر الاسم، وفي الثالث بنصب اللام لأنه فعل الواحد ويقول ذهب السيئات عني { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } يعني بطراً فرحاً بما أعطاه الله تعالى وهو الطغيان في النعمة، فخور في نعم الله تعالى ومتكبر على الناس. ثم استثنى فقال تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } وهم المؤمنون الذين صبروا على الطاعات والشدائد، ليسوا كذلك وليسوا من أهل هذه الصفة إذا ابتلوا صبروا وإذا أعطوا شكروا { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } بينهم وبين ربهم { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لذنوبهم في الدنيا { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } يعني ثواباً عظيماً في الجنة. قوله تعالى: { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ } يعني لا تترك { بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } وذلك أن كفار مكة قالوا كيف لا ينزل إليه ملك أو يكون له كنز وطلبوا منه بأن لا يعيب آلهتهم فهمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يترك عيبها رجاء أن يتبعوه فنزل فلعلك تارك بعض ما يوحى إِليك من أمر الآلهة { وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } في البلاغ { أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ } يعني المال { أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ } يعينه ويصدقه، فأمره بأن لا يترك تبليغ الرسالة فقال: يا محمد { إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ } يعني إنما عليك تبليغ الرسالة والتخويف { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ وَكِيلٌ } يعني: شهيد بأنك رسول الله تعالى. قوله تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } يعني: أيقولون؟ والميم صلة. افتراه. يعني اختلقه من تلقاء نفسه { قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } يعني مختلقات، قال الكلبي يعني بعشر سور مثل سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة ويونس وهود. لأن العاشرة هي سورة هود. وقال بعضهم: هذا التفسير لا يصح، لأن سورة هود مكية والبقرة وآل عمران والنساء والمائدة مدنيات أنزلت بعد سورة هود بمدة طويلة. ولكن معناه فأتوا بعشر سور مثل سور القرآن. أي سورة كانت مفتريات. يعني مختلفات إن كنتم تزعمون أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - يختلقه من ذات نفسه { وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ } يعني استعينوا بآلهتكم { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في مقالتكم، فسكتوا فلم يجيبوا فنزل قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } فإن لم يجيبوك، خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ الجماعة كما قال { { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ } [المؤمنون: 51] ويقال أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه { فَٱعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ } يقال فاعلموا يا أهل مكة انما أُنزل بعلم الله. يعني أنزل جبريل هذا القرآن بإذن الله تعالى وبأمره. وقال القتبي بعلم الله يعني من علم الله والباء مكان من. ثم قال تعالى: { وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } يعني فاعلموا أن لا إله إلا هو. يعني إن الله تعالى هو منزل الوحي وليس أحد ينزل الوحي غيره { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } يعني: مقرين بأن الله أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - . ويقال مخلصون بالتوحيد. ويقال { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } هذا على وجه الأمر يعني أسلموا.