التفاسير

< >
عرض

فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
٥٧
وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ
٥٨
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
٥٩
وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ
٦٠
-هود

بحر العلوم

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني تتولوا. ومعناه إن أعرضتم عن الإيمان فلم تؤمنوا وهذا كقوله { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } [محمد: 38]. ثم قال { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } يعني إن تتولوا فأنا معذور. لأني قد أبلغتكم الرسالة { وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ } إن شاء ويقال: قد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم من التوحيد ونزول العذاب في الدنيا ويستخلف ربي بعد هلاككم قوماً غيركم. يعني خيراً منكم وأطوع لله تعالى { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً } يعني إن لم تؤمنوا به فلا تنقصون من ملكه شيئاً ويقال إهلاككم لا ينقصه شيئاً. { إِنَّ رَبّى عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَفِيظٌ } يعني حافظاً ولا يغيب عنه شيء. ويقال: معناه: حفظ كل شيء عليه. ثمّ قال { وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } يعني عذابنا وهو الريح العقيم { نَجَّيْنَا هُودًا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا } يعني بنعمة منا { وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } يعني من العذاب الذي عذب به عاد في الدنيا ومما يعذبون به في الآخرة. ثم قال عز وجل: { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَـٰتِ رَبّهِمْ } يعني كذبوا بعذاب ربهم أنه غير نازل بهم. ومعناه يا أهل مكة: انظروا إلى حالهم كيف عذبوا في الدنيا وفي الآخرة. وهذا كقوله تعالى { { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةٌ بِمَا ظَلَمُوۤاْ } [النمل: 52] فكذلك ها هنا. وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم. بين جرمهم ثم بين عقوبتهم. فقال { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } يعني هوداً خاصة. ويقال معناه كذبوا هوداً بما أخبرهم عن الرشد { وَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } يعني عملوا بقول كل جبار. ويقال أخذوا بدين كل جبار. والجبار الذي يضرب ويقتل عند الغضب، عنيد يعني معرضاً ومجانباً عن الحق. ثم بين عقوبتهم فقال { وَٱتَّبِعُـواْ } يعني ألحقوا { فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } يعني العذاب والهلاك وهي الريح العقيم { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } لعنة أُخرى وهو عذاب النار إلى الأبد { أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } [وهذا تنبيه للكفار أن عادا كفروا ربهم] فأهلكهم الله تعالى. فاحذروا كيلا يصيبكم بكفركم ما أصابهم بكفرهم. ويقال: { أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } يعني ينادي منادٍ يوم القيامة لإظهار حالهم ألا إن عاداً كفروا ربهم وقال الضحاك: ترفع لهم راية الغدر يوم القيامة فينادي منادٍ [يوم القيامة] هذه غدرة قوم عاد. فيلعنهم الملائكة وجميع الخلق فذلك قوله تعالى: { أَلاَ بُعْدًا } يعني خزياً وسحقاً { لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }