التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
٦٩
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ
٧٠
وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
٧١
قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ
٧٢
قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ
٧٣
-هود

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } يعني ببشارة الولد، وذلك أن مدينة يقال لها "سدوما" (ويقال "سدوم") وكانت بلدة فيها من السعة والخير ما لم يكن في سائر البلدان. وكان الغرباء يحضرون من سائر البلدان في أيام الصيف ويجمعون من فضل ثمارهم مما كان خارجاً من الكروم والحدائق. فجاء إبليس لعنه الله فشبه نفسه بغلام أمرد وجعل يدخل كرومهم وحدائقهم ويراودهم إلى نفسه حتى أظهر فيهم الفاحشة. وجاء إلى نسائهم وقال إن الرجال قد استغنوا عنكن فعلمهن أن يستغنين عن الرجال حتى استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء. فأوحى الله تعالى: إلى لوط ليدعوهم إلى الإيمان ويمتنعوا عن الفواحش فلم يمتنعوا فبعث الله جبريل ومعه أحد عشر من الملائكة بإهلاكهم فجاؤوا إلى إبراهيم كهيئة الغلمان فدخلوا على إبراهيم فنظر فرأى اثني عشر غلاماً أمرد. ويقال كانوا ثلاثة جبريل وميكاييل وإسرافيل ويقال كانو أربعة فسلموا عليه. { قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ } يعني رد عليهم السلام. قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر قَالوا سلاماً قال سَلاَمُ كلاهما سلام إلا أن الأول صار نصباً لوقوع الفعل عليه والآخر رفعاً بالحكاية. ومعناه قال قولا فيه سلام وقرأ حمزة والكسائي "قالوا سلاماً قال سِلْمٌ" بكسر السين وسكون اللام يعني أمري سلم ما أريد إلا السلامة { فَمَا لَبِثَ } يعني فما مكث { أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } قال السدي: الحنيذ السمين. كما قال في آية أُخرى { { بِعِجْلٍ سَمِينٍ } [الذاريات: 26] ويقال: حنيذ يعني نضيح. ويقال المشوي الذي يقطر منه الدسم. وقال أهل اللغة بأجمعهم الحنيذ المشوي بغير تنور. وهو أن يتخذ له في الأرض حنذاً فيلقى فيه. قال مقاتل: إنما جاءهم بعجل لأنه كان أكثر ماله البقر. فلما قربه إليهم ووضع بين أيديهم كفوا ولم يأكلوا ولم يتناولوا منه { فَلَماَّ رَأَى } إبراهيم { أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ } يعني (لا تصل إلى الطعام) { نَكِرَهُمْ } يقول أنكرهم { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } يعني وأضمر منهم خوفاً حيث لم يأكلوا من طعامه وظن أنهم لصوص. وذلك أنه في ذلك الزمان إذا لم يأكل أحد من طعام إنسان يخاف عليه عائلته { قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } بهلاكهم. وقال السدي لما لم يأكلوا من الطعام قال لهم إبراهيم ما لكم لا تأكلون طعامي؟ قالوا إنا قوم لا نأكل طعاماً إلا بثمن. فقال إبراهيم إن لطعامي ثمناً فأصيبوا منه. قالوا: وما ثمنه؟ قال تذكرون اسم الله عليه في أوله وتحمدونه في آخره. فقال جبريل لميكاييل حق له أن يتخذه الله خليلاً. قوله تعالى: { وَٱمْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ } وفي الآية تقديم يعني بشرناها بإسحاق فضحكت سروراً. ويقال ضحكت تعجباً من خوف إبراهيم ورعدته في حشمه وخدمه ولم يخف ولم يرتعد من نمرود الجبار حين قذفه في النار. وهذا قول القتبي. وقال عكرمة: ضحكت يعني حاضت: يقال ضحكت الأرنب إذا حاضت. وغيره من المفسرين يجعلها الضحك بعينه، وكذلك هو في التوراة، قرأت فيها إنها حين بشرت بالغلام ضحكت في نفسها وقالت من بعد ما بليت أعود شابة. وقال قتادة. ضحكت من أمر القوم وغفلتهم وجبريل جاءهم بالعذاب يعني قوم لوط { فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } قال الشعبي الوراء ولد الولد. وروى حبيب بن أبي ثابت أن رجلاً دخل على ابن عباس ومعه ابن ابنه فقال له من هذا؟ فقال ابن ابني. فقال ابنك من وراء. فوجد الرجل في نفسه. فقرأ ابن عباس "وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ" وقال مقاتل يعني ومن بعد إسحاق يعقوب. وقال أبو عبيدة الوراء ولد الولد. وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص بنصب الباء. وقرأ الباقون بالضم. فمن قرأ بالضم فهو على معنى الابتداء يعني ويكون من وراء إسحاق يَعْقُوبُ. ومن قرأ بالنصب فهو عطف على الباء في قوله بإسحاق. فيكون في موضع الخفض إلا أنه لا ينصرف { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } يعني عقيماً لم ألد قط وقد كبرت في السن { وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا } قال الكلبي: كانت ساره بنت ثمان وتسعين سنة وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة، أكبر منها بسنة وقال الضحاك: كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة وسارة بنت تسع وتسعين سنة { إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عَجِيبٌ } أي لأمر عجيب { قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } يعني من قدرة الله { رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ } يعني نعمته وسعادته عليكم { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } يعني يا أهل البيت ويقال: أتعجبين أي أَلا تعلمين أن رحمة الله وبركاته عليكم أن يستخرج الأنبياء كلهم من هذا البيت. وقال السدي: أخذ جبريل عوداً من الأرض يابساً فدلكه بين أصبعيه فإِذا هو شجرة تهتز فعرفت أنه من الله تعالى ثم قال { إِنَّهُ حَمِيدٌ } في فعاله، ويقال حميد لأعمالكم { مَّجِيدٌ } يعني شريف.