التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ
١٤
فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
١٥
وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ
١٦
قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ
١٧
وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ
١٨
-يوسف

بحر العلوم

{ قَالُواْ } يعني: إخوة يوسف { لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } يعني جماعة عشرة { إِنَّا إِذًا لَّخَـٰسِرُونَ } يعني لعاجزين. فلما قالوا ذلك رضي بخروجه فبعثه معهم وأوصاهم عند خروجه أن يحسنوا إليه ويتعاهدوا أمره ويردوه إذا طلب الرجوع فقبلوا ذلك منه. ويقال إنه أبى أن يرسله معهم حتى أتوا يوسف فقالوا له أطلب من أبيك ليبعثك معنا وطلب يوسف ذلك من أبيه فبعثه معهم { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } يعني فلما برزوا به إلى البَريِّة { وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ } يقول: واتفقوا أن يلقوه في أسفل الجب. ثم أظهروا له العداوة فجعل أحدهم يضربه فيستغيث فيضربه الآخر فجعل لا يرى منهم رحيماً فضربوه حتى كادوا يقتلونه فقال يهوذا أليس قد أعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه فانطلقوا به إلى الجب. وهي بئر على رأس فرسخين من كنعان. ويقال أربع فراسخ فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفة البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال يا إخوتاه ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجب. فقالوا ادع الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر يؤنسوك. فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه ورادوا أن يموت. وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة في البئر وقام عليها وجعل يبكي فجاءه جبريل يؤنسه ويطعمه. قال الله تعالى { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ } يعني لتخبرنهم { بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا } يعني: بصنيعهم هذا بمصر { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } يعني لا يعرفونك بمصر. ويقال: معناه: وأوحينا إليه.. لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون أن الله تعالى أوحى إليه وهم لا يعرفون. ويقال لما أرادوا أن يلقوه في البئر تعلق بإِخوته. فقال له جبريل لا تتعلق بهم فإِنك تنجو من البئر فألقوه حتى وقع في قعرها فارتفع حجر حتى قام عليه. ثم إنهم أخذوا جدياً من الغنم فذبحوه ثم لطخوا القميص بدمه { وَجَاءوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ } يعني أقبلوا إلى أبيهم عشاء يبكون. فلما سمع أصواتهم يعقوب. فزع وقال يا بني ما لكم { قَالُواْ يأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } يعني نَتَصَيَّدُ. ويقال ننتضل أي يسابق بعضنا البعض في الرمى { وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَـٰعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذّئْبُ } فلما قالوا هذا القول بكى يعقوب وصاح بأعلى صوته ثم قال أين قميصه؟ فأخذ القميص وبكى، ثم قال إن هذا الذئب كان بابني رحيماً كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه. وروى سماك عن عامر أنه قال: في قميص يوسف ثلاث آيات. حين قد قميصه من دبر، وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيراً، وحين جاءوا على قميصه بدم كذب. على أن الذئب لو أكله لخرق قميصه. فقال لهم كذبتم فقالوا له { وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } يعني بمصدق لنا في مقالتنا { وَلَوْ كُنَّا صَـٰدِقِينَ } في مقالتنا { وَجَاءوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } (يعني بدم السخلة ولم يكن دم يوسف). ويقال بدم كذب أي مكذوب به. وقرأ بعضهم بدم بالدال يعني بدم طري فأروه القميص بالدم ليعرف به. وهي قراءة شاذة وقراءة العامة بالذال) { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا } يقول: زينت واشتهت لكم أنفسكم أمراً فضيعتموه { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } يعني على صبر جميل بلا جزع. ويقال معناه لا حيلة لي إلا الصبر. ويقال فصبري صبر جميل وروي عن بعض الصحابة أنه كان يقرأ "فَصَبْراً جَمِيلاً" يعني أصبر صبراً جميلاً. وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن قوله "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ" قال "صبر لا شكوى فيه ومن بث فلم يصبر" . ثم قال { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } يقول: أستعين بالله وأطلب العون من الله على ما تقولون وتكذبون من أمر يوسف. قوله تعالى: { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ... }