التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ
٢٨
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ
٢٩
وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ
٣٠
قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ
٣١
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ
٣٢
وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ
٣٣
وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
٣٤
-إبراهيم

بحر العلوم

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا } قال مقاتل: كانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع يعني قريشاً وآمنهم من خوف. يعني من القتل ثم بعث فيهم رسولاً منهم فكفروا بهذه النعمة وبدلوها. وهم بنو أمية وبنو المغيرة { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } يعني وأنزلوا سائر قريش دار البوار يعني: دار الهلاك بلغة عمان. أهلكوا قومهم ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة فذلك قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا } (أي غيروا نعمة الله عليهم بالكفر) { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } يعني: دار الهلاك { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا } هي دارهم في الآخرة. قال الكلبي أحلوا قومهم دار البوار يعني مصرعهم ببدر. { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا } يعني: يدخلونها يوم القيامة { وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } يعني: بئس المستقر جهنم. ثم قال تعالى: { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا } يعني: أي شركاء { لّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ } يعني: ليصرفوا الناس من دين الإسلام قرأ أبو عمرو وابن كثير "لِيَضِلُّوا" بنصب الياء يعني إنهم أخطأوا الطريق وضلوا. وقرأ الباقون بالضم. يعني ليصرفوا الناس عن الهدى. قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - { قُلْ تَمَتَّعُواْ } يعني: عيشوا في الدنيا وتمتعوا بها { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } يعني: مرجعكم يوم القيامة إلى النار. قوله تعالى: { قُل لّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } قرأ حمزة والكسائي وابن عامر (قُل لِعِبَادِ) بغير ياء. وقرأ الباقون "لِعِبَادِيَ" بالياء مع النصب. وأصله الياء إلا أن الكسرة تغني عن الياء. وقال بعض الحكماء شرف الله تعالى عباده بهذه الياء وهي خير لهم من الدنيا وما فيها. لأن فيه إضافة إلى نفسه والإضافة تدل على العتق. لأن رجلاً لو قال لعبده يا ابن أو يا ولد لا يعتق. ولو قال يا ولدي أو يا ابني يعتق بالإضافة إلى نفسه. فكذلك إذا أضاف الله العباد إلى نفسه فيه دليل على أن يعتقهم من النار { يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني: يتمونها بركوعها وسجودها ومواقيتها { وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } من الأموال { سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } يعني: سراً على المتعففين وعلانية على السائلين { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } يعني: لا فداء فيه { وَلاَ خِلَـٰلٌ } يعني لا مخالة تنفعه وهي الصداقة "لأنه" إذا نزل بهم شدة في الدنيا يعادون ويشفع خليلهم وليس في الآخرة شيء من ذلك وإنما هي أعمالهم. قرأ ابن كثير وأبو عمرو "لا بَيْعَ ولا خِلالَ" بنصب العين واللام. وقرأ الباقون بالرفع والتنوين فيهما. وهذا الاختلاف مثل قوله: { { وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَـٰعَةٌ } } [البقرة: 254]. ثم بين دلائل وحدانيته فقال تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاءً } وهو المطر { فَأَخْرَجَ بِهِ } يعني: فأنبت بالمطر { لِتَجْرِىَ فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } يقول: بإذنه { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأنْهَـٰرَ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَائِبَينَ } يعني: دائمين مطيعين. يعني: ذلل لكم ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } يعني: لبني آدم يلتمسون فيها المعيشة وينتشرون في النهار إلى حوائجهم وفي الليل مستقرهم ومنامهم. { وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } يعني: أعطاكم من كل شيء لم تحسنوا أن تسألوا فأعطيتكم برحمتي. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه قال: لم تسألوه بكل الذي أعطاكم. وقال معمر والحسن: آتاكم من كل الذي سألتموه. قال مجاهد: كل ما رغبتم إليه قرأ بعضهم "مِنْ كُلٍّ" بالتنوين يعني أعطاكم من كل شيء ثم قال: ما سألتموه يعني لم تسألوه ولا طلبتموه ولكن أعطيتكم برحمتي يعني ما ذكر مما سُخِّر للناس في هذه الآيات. وقراءة العامة "مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ" من غير تنوين على معنى الإضافة يعني: من جميع ما سألتموه. ثم قال: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } يعني: لا تقدروا على أداء شكرها. ويقال تحصوها يعني: لا تحفظوها { إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ } يعني: الكافر { لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } يعني: يظلم نفسه بالكفر بنعم الله تعالى.