ثم قال: { هُوَ ٱلَّذِى أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَآءً } أي: المطر { لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ } وهو ما يستقر في الأرض من الغدران وتشربون منه وتسقون أنعامكم { وَمِنْهُ شَجَرٌ } أي: ومن الماء ما ينتشر في الأرض فينبت منه الشجر والنبات { فِيهِ تُسِيمُونَ } أي: ترعون أنعامكم. قوله { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ } أي: يخرج لكم بالمطر الزرع والزيتون { وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَـٰبَ } أي: الكروم { وَمِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } أي: من ألوان الثمرات. قرأ عاصم في رواية أبي بكر "تُنْبِتْ لَكُمْ" بالنون وقرأ الباقون بالياء ومعناهما واحد. ثم قال { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } يعني فيما ذكر من نزول المطر وخروج النبات لعبرة { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في إنشائه. ثم قال: { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ وَٱلْنَّهَارَ } أي: ذلل لكم الليل والنهار لمعايشكم { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي: خلق الشمس والقمر { وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرٰتٌ } بأمره أي: مذللات { بِأَمْرِهِ } أي بإذنه { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآَيَاتٍ } أي: لعبرات { لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي: لمن له ذهن الإنسانية. ثم قال عز وجل: { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي: وما خلق لكم في الأرض من الدواب والأشجار والثمار { مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } أي: في اختلاف ألوانها لعبرة { لِقَوْمٍ يَتَذَكَّرُونَ } أي: يتعظون قرأ ابن عامر "والشَّمْسُ والْقَمَرُ والنُّجُوم" كلها بالرفع على معنى الابتداء. وقرأ عاصم في رواية حفص "والشَّمْسَ والْقَمَرَ" بالنصب على معنى البناء أي: سخر لكم الشمس والقمر ثم ابتدأ فقال "والنُّجُومُ" بالضم على معنى الابتداء وقرأ الباقون الثلاثة كلها بالنصب ويكون بمعنى المفعول ثم قال: { وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ } أي: ذلل لكم البحر ويقال: ذلل لكم ما في البحر { لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ } أي: من البحر { لَحْمًا طَرِيّاً } أي: السمك الطري { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ } يعني: من البحر { حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } يعني: لؤلؤاً تتزينون بها، يعني: زينة للنساء { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ } أي: مقبلة ومدبرة فيه ويقال: تذهب وتجيء بريح واحدة. وقال عكرمة يعني: السفينة حين تشق الماء. يقال مخرت السفينة إذا جرت لأنها إذا جرت تشق الماء. { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي: لكي تطلبوا من رزقه حين تركبون السفينة للتجارة { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي: لكي تشكروا الله فيما صنع لكم من النعمة. ثم قال: { وَأَلْقَىٰ فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ } يعني: الجبال الثوابت { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } يعني: لكيلا تميد بكم وقد يحذف "لا" ويراد إثباته كما قال ها هنا { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } أي لا تميل بأهلها. وروى معمر عن قتادة أنه قال: لما خلقت الأرض كادت تميد فقالت الملائكة ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً فأصبحوا وقد خلقت الجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال. وقال القتبي: الميد الحركة والميل. ويقال أن تميد أي: كراهة أن تميد بكم { وَأَنْهَـٰراً } أي وجعل لكم أنهاراً { وَسُبُلاً } أي: طرقاً { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي: تعرفون بها الطرق { وَعَلامَـٰتٍ } أي: جعل في الأرض علامات من الجبال وغيرها تهتدون به الطرق في حال السفر { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } أي: بالجدي والفرقدين تعرفون بها الطرق في البر والبحر. وروى عبد الرزاق عن معمر في قوله: { وَعَلامَـٰتٍ } قال: قال الكلبي الجبال، وقال قتادة: النجوم. وروى سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله: { وَعَلامَـٰتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } قال: منها ما يكون علامة ومنها ما يهتدى به. وقال عمر بن الخطاب: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في طرقكم وقبلتكم ثم كفوا وتعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم. وقال السدي وعلامات أي: الجبال بالنهار يهتدون بها الطرق والنجوم بالليل. ثم قال: { أَفَمَن يَخْلُقُ } يعني هذه الأشياء التي وصفت لكم { كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } أي لا يقدر أن يخلق شيئاً وهم الأصنام { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي: أفلا تتعظون في صنعه فتوحدوه وتعبدوه ولا تعبدوا غيره.