التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ
١٠
يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
١١
وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
١٢
وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ
١٣
وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
١٤
وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥
وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
١٦
أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
١٧
-النحل

بحر العلوم

ثم قال: { هُوَ ٱلَّذِى أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَآءً } أي: المطر { لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ } وهو ما يستقر في الأرض من الغدران وتشربون منه وتسقون أنعامكم { وَمِنْهُ شَجَرٌ } أي: ومن الماء ما ينتشر في الأرض فينبت منه الشجر والنبات { فِيهِ تُسِيمُونَ } أي: ترعون أنعامكم. قوله { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ } أي: يخرج لكم بالمطر الزرع والزيتون { وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَـٰبَ } أي: الكروم { وَمِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } أي: من ألوان الثمرات. قرأ عاصم في رواية أبي بكر "تُنْبِتْ لَكُمْ" بالنون وقرأ الباقون بالياء ومعناهما واحد. ثم قال { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } يعني فيما ذكر من نزول المطر وخروج النبات لعبرة { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في إنشائه. ثم قال: { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ وَٱلْنَّهَارَ } أي: ذلل لكم الليل والنهار لمعايشكم { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي: خلق الشمس والقمر { وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرٰتٌ } بأمره أي: مذللات { بِأَمْرِهِ } أي بإذنه { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآَيَاتٍ } أي: لعبرات { لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي: لمن له ذهن الإنسانية. ثم قال عز وجل: { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي: وما خلق لكم في الأرض من الدواب والأشجار والثمار { مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } أي: في اختلاف ألوانها لعبرة { لِقَوْمٍ يَتَذَكَّرُونَ } أي: يتعظون قرأ ابن عامر "والشَّمْسُ والْقَمَرُ والنُّجُوم" كلها بالرفع على معنى الابتداء. وقرأ عاصم في رواية حفص "والشَّمْسَ والْقَمَرَ" بالنصب على معنى البناء أي: سخر لكم الشمس والقمر ثم ابتدأ فقال "والنُّجُومُ" بالضم على معنى الابتداء وقرأ الباقون الثلاثة كلها بالنصب ويكون بمعنى المفعول ثم قال: { وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ } أي: ذلل لكم البحر ويقال: ذلل لكم ما في البحر { لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ } أي: من البحر { لَحْمًا طَرِيّاً } أي: السمك الطري { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ } يعني: من البحر { حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } يعني: لؤلؤاً تتزينون بها، يعني: زينة للنساء { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ } أي: مقبلة ومدبرة فيه ويقال: تذهب وتجيء بريح واحدة. وقال عكرمة يعني: السفينة حين تشق الماء. يقال مخرت السفينة إذا جرت لأنها إذا جرت تشق الماء. { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي: لكي تطلبوا من رزقه حين تركبون السفينة للتجارة { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي: لكي تشكروا الله فيما صنع لكم من النعمة. ثم قال: { وَأَلْقَىٰ فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ } يعني: الجبال الثوابت { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } يعني: لكيلا تميد بكم وقد يحذف "لا" ويراد إثباته كما قال ها هنا { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } أي لا تميل بأهلها. وروى معمر عن قتادة أنه قال: لما خلقت الأرض كادت تميد فقالت الملائكة ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً فأصبحوا وقد خلقت الجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال. وقال القتبي: الميد الحركة والميل. ويقال أن تميد أي: كراهة أن تميد بكم { وَأَنْهَـٰراً } أي وجعل لكم أنهاراً { وَسُبُلاً } أي: طرقاً { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي: تعرفون بها الطرق { وَعَلامَـٰتٍ } أي: جعل في الأرض علامات من الجبال وغيرها تهتدون به الطرق في حال السفر { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } أي: بالجدي والفرقدين تعرفون بها الطرق في البر والبحر. وروى عبد الرزاق عن معمر في قوله: { وَعَلامَـٰتٍ } قال: قال الكلبي الجبال، وقال قتادة: النجوم. وروى سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله: { وَعَلامَـٰتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } قال: منها ما يكون علامة ومنها ما يهتدى به. وقال عمر بن الخطاب: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في طرقكم وقبلتكم ثم كفوا وتعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم. وقال السدي وعلامات أي: الجبال بالنهار يهتدون بها الطرق والنجوم بالليل. ثم قال: { أَفَمَن يَخْلُقُ } يعني هذه الأشياء التي وصفت لكم { كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } أي لا يقدر أن يخلق شيئاً وهم الأصنام { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي: أفلا تتعظون في صنعه فتوحدوه وتعبدوه ولا تعبدوا غيره.