التفاسير

< >
عرض

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ
٥٧
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ
٥٨
يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٥٩
لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٦٠
وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
٦١
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ
٦٢
-النحل

بحر العلوم

قوله: { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَـٰتِ } يعني: يصفون لله ويقولون الملائكة بنات الله { سُبْحَـٰنَهُ } أي: تنزيهاً له عن الولد { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } يعني الأولاد الذكور أي: يصفون لغيرهم البنات ولأنفسهم الذكور. ثم وصف كراهتهم البنات لأنفسهم فقال { وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ } يقول: إذا بشر أحد الكفار بالأنثى { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } أي: صار وجهه متغيراً من الحزن والخجل { وَهُوَ كَظِيمٌ } يعني: مكروباً مغموماً من الحزن يتردد حزنه في جوفه. قوله: { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوء } يعني: يكتم ما به من القوم، ويقال: يستر وجهه من القوم ويختفي من سوء { مَا بُشّرَ بِهِ } أي: ما ظهر على وجهه من الكراهية ويدبر في نفسه كيف أصنع بها { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ } أي: الأنثى التي ولدت له على هوان، يعني: أيحفظه على هوان { أَمْ يَدُسُّهُ فِى } أي: يدقه { ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ } أي: بئسما يفضون به. لأنفسهم الذكور وله الإناث ثم قال: { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ } أي: المشركين { مَثَلُ ٱلسَّوْء } أي: جزاء السوء النار في الآخرة. ويقال: يعني: عاقبة السوء، ويقال: لآلهتهم صفة السوء صم بكم عمي { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } أي: الصفة العليا وهي: شهادة أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11] { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 3 - 4] فهذه الصفة العليا { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } في ملكه { ٱلْحَكِيمُ } في أمره. أَمَرَ الخلق أن لا يعبدوا غيره. قوله: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } أي: بشركهم ومعصيتهم { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } أي لم يترك على ظهر الأرض من دابة. ودل الإضمار على الأرض لأن الدواب إنما هي على الأرض. يقول: أنا قادر على ذلك { وَلٰكِن يُؤَخِرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } أي إلى وقت معلوم. ويقال: ما ترك عليها من دابة لأنه لو أخذهم بذنوبهم لمنع المطر وإذا منع المطر لم يبق في الأرض دابة إلا أهلكت ولكن يؤخر العذاب إلى أجلٍ مسمًى. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لو عذب الله الخلائق بذنوب بني آدم لأصاب العذاب جميع الخلائق حتى الْجِعْلاَن في جحرها ولأمسكت السماء عن الأمطار ولكن يؤخرهم بالفضل والعفو. ثم قال: { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ } أي: أجل العذاب { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ } أي: لا يتأخرون عن الوقت { سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } أي: لا يتقدمون قبل الوقت. ثم قال: { وَيَجْعَلُونَ } أي: يصفون ويقولون { لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ }: لأنفسهم وهو البنات { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ } أي: يقولون الكذب { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: الذكور من الولد ويقال الجنة. أي: يصفون لأنفهسم مع أعمالهم القبيحة أن لهم في الآخرة الجنة ثم قال: { لاَ جَرَمَ } يعني: حقاً. ويقال لا بد ولا محالة { أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ } وهو كقوله: { { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَـٰتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ } [الجاثية: 21] إلى قوله: { { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [الجاثية: 21] { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } قرأ نافع بكسر الراء يعني: أفرطوا في القول وأفرطوا في المعصية. وقرأ الباقون "مُفْرَطُونَ" بفتح الراء أي: مُتْرَكُونَ في النار ويقال: منسيون في النار، وهو قول سعيد ابن جبير. وقال قتادة: أي معلجون في النار. ويقال: الفارط في اللغة: الذي يتقدم إلى الماء وهذا قول يوافق قول قتادة.