التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً
٧٤
إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً
٧٥
وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً
٧٦
-الإسراء

بحر العلوم

ثم قال: { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ } يقول: عصمناك ويقال: حفظناك { لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ } يعني: لقد هممت أن تميل إليهم { شَيْئًا قَلِيلاً } وتعطي أمنيتهم شيئاً قليلاً { إِذًا لأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ } أي: عذاب الدنيا { وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } يعني: عذاب الآخرة وهذا قول ابن عباس. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: ضعف الحياة عذابها أي: عذاب الدنيا، وضعف الممات أي: عذاب الآخرة. وهذا مثل الأول. ويقال: ضعف الممات أي: عذاب القبر، ويقال: هذا وعيد للنبي - صلى الله عليه وسلم - يعني إنك لو فعلت ذلك يضاعف لك العذاب على عذاب غيرك كما قال تعالى: { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [الأحزاب: 30] لأن درجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودرجة من وصفهم فوق درجة غيرهم فجعل لهم العذاب أشد. وروي عن مالك ابن دينار أنه قال: سألت أبا الشعثاء عن قوله: { ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } فقال: ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة ثم قال: { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } يقول: مانعاً يمنعك من ذلك، ويقال: مانعاً يمنع من العذاب قوله: { وَإِن كَادُواْ } وقد كادوا { لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا } أي: ليستزلونك وليخرجوك من أرض مكة { وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلَـٰفَكَ } أي: بعدك { إِلاَّ قَلِيلاً } فيهلكهم الله تعالى وروى عبد الرزاق عن معمر أنه قال: قد فعلوا ذلك فأهلكهم الله تعالى يوم بدر ولم يلبثوا بعده إلا قليلاً وقال مقاتل: وإن كادوا ليستفزونك من الأرض يعني: من أرض المدينة نزلت الآية في حيي بن أخطب وغيره من اليهود حين دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة حسدوه وقالوا: إنك لتعلم أن هذه ليست من أرض الأنبياء إنما ارض الأنبياء الشام، فإن كنت نبياً فاخرج منها فنزل { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا } أي: من أرض المدينة إلى الشام { وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلَـٰفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } وأمر بالرجوع إلى المدينة.