{ وَلَنَبْلُوَنَّكُم } يعني المؤمنين { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ } يقول: لنختبرنكم بخوف العدو، وهو الخوف الذي أصابهم يوم الخندق حتى بلغت القلوب الحناجر (والجوع) وهو القحط الذي أصابهم فكان يمضي على أخذهم أياماً لا يجد طعاماً { وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأَمَوَالِ } يعني ذهاب أموالهم، ويقال موت الماشية { وَٱلأَنفُسِ } يعني الموت والقتل والأمراض { وَٱلثَّمَرٰتِ } نقصان الثمرات فلا تخرج الثمرات كما كانت تخرج أو تصيبها الآفة. ويقال: الثمرات هو موت الولد وهو ثمرة القلب. ثم قال: { وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ } يعني الذين يصبرون على هذه المصائب والشدائد التي ذكرنا. ثم وصفهم فقال تعالى: { ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ } صبروا ولم يجزعوا، و { قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ } يعني يقولون: نحن عبيد الله وفي ملكه إن عشنا فعليه أرزاقنا وإن متنا فإليه مردنا وإليه راجعون بعد الموت ونحن راضون بحكمه { أُوْلَـٰئِكَ } يعني أهل هذه الصفة { عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ } والصلاة من الله تعالى على ثلاثة أشياء: توفيق الطاعة والعصمة عن المعصية، ومغفرة الذنوب جميعاً، فبالصلاة الواحدة تتكون لهم هذه الأشياء الثلاثة فقد وعد لهم الصلوات الكثيرة، ومقدار ذلك لا يعلمه إلا الله ثم قال: { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } أي الموفقون للاسترجاع. وروي عن سعيد بن جبير أنه قال لم يكن الاسترجاع إلا لهذه الأمة ألا ترى أن يعقوب - عليه السلام - قال:
{ يٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } [يوسف: 84] فلو كان له الاسترجاع لقال ذلك وروي عن عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ذكر مصيبة أو ذكرت عنده فاسترجع جدد الله [ثوابه] كيوم أصيب بها" . وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من أصابته مصيبة [فليتذكر] مصيبته فيّ، فإنها من أعظم المصائب" . وروى هذان الحديثان عن علي بن أبي طالب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: [نعم العدلان] ونعم العلاوة فالعدلان قوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ } والعلاوة قوله تعالى: { وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }.