التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً
٣٢
وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً
٣٣
ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٣٤
-الفرقان

بحر العلوم

قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ } يعني: هلا { نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءانُ جُمْلَةً وٰحِدَةً } كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السلام ويقول الله تعالى: { كَذٰلِكَ } يعني: هكذا أنزلناه متفرقاً { لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } يعني: ليحفظ ويقوى به قلبك ونفرحك دخل قلبه الغم نزلت عليه آية وآيتان فيفرح بها ويقال: لنثبت به فؤادك يعني ليكون قبوله على المسلمين أسهل لأنه لو أنزلت الأحكام والشرائع كلها جملة واحدة شق على المسلمين قبولها كما شق على بني إسرائيل ويقال: أنزلناه هكذا لنرسخ القرآن في قلبك لكي تحفظ الآية والآيتين ويقال: كذلك أنزلناه لتحكم عند كل حادثة وعند كل واقعة لتقوي به قلبك في ذلك { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } يعني: بيناه تبييناً ويقال شيء رتل ورتيل إذا كان مبيناً وقال مجاهد: ورتلناه ترتيلاً أي بعضه على أثر بعض وروى عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك جبريل عليه السلام به في عشرين سنة وهو قوله تعالى: { كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } { { وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَـٰهُ تَنْزِيلاً } [الإسراء: 106] { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ } يعني: لا يخاصمونك بمثل مثل قوله: { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَٰحِدَةً } ثم قال: { إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ } يعني: أنزلنا عليك جبريل بالقرآن فتخاصمهم به { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } يعني: وأحسن بياناً لترد به خصومهم ويقال: معناه: ولا يأتونك بحجة إلا بينا لك في القرآن ما فيه نقص لحجتهم وأحسن تفسيراً أي: جواباً لهم ويقال: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بما هو أحسن من مثلهم ويقال كل نبي إذا قال له قومه قولاً كان هو الذي يرد عليهم وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قالوا له شيئاً فالله تعالى هو الذي يرد عليهم ثم أخبرهم بمستقرهم في الآخرة فقال عز وجل: { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } يعني: يسحبون على وجوههم { إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } يعني: منزلاً في النار وضيقاً في الدنيا { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } يعني: أخطأ طريقاً وذلك أن كفار مكة قالوا ما كان محمد وأصحابه أولى بهذا الأمر منا والله إنهم لشر خلق الله فأنزل الله عز وجل: { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } وروي في الخبر أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أصناف فصنف على النجائب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم فقيل يا رسول الله: كيف يحشرون على وجوههم فقال إن الذي أمشاهم على أقدامهم فهو قادر على أن يمشيهم على وجوههم فذلك قوله { أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً }.