التفاسير

< >
عرض

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
١١٠
لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ
١١١
-آل عمران

بحر العلوم

{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال الكلبي: أخبر الله تعالى أن خير الدين عند الله دين أهل الإسلام، ووصفهم بالوفاء، فقال تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }... يقول: (كنتم) خير أهل دين كان الناس لا يظلمون من خالطهم، منهم أو من غيرهم، فجعلهم الله خير الناس للناس، { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } ويقال: خير أمة أُخْرِجَت للناس (تأمرون) بالمعروف (فتقاتلون) الكفار ليسلموا، فترجع منفعتهم إلى غيرهم، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس من ينفع الناس" . ويقال: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } يعني "كنتم" عند الله في اللوح المحفوظ، ويقال: كنتم مذ أنتم خير أُمَّة، ويقال: هذا الخطاب لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أنتم خير الأمة. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْر القرون أصحابي ثم الذين يلونهم" . ثم وصفهم فقال: { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ }، أي بالتوحيد والإسلام { وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي عن الشرك { وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } أي تصدقون بتوحيد الله، وتثبتون على ذلك. وقال الزجاج: "تؤمنون بالله" معناه تقرون أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - نبي الله، لأن من كفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لم يوحد الله، لأنه يزعم أن الآيات المعجزات التي أتى بها من ذات نفسه. ثم قال تعالى: { وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } وهم اليهود والنصارى { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } من الإقامة على دينهم، { مّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } وهم مؤمنو أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه، ومن آمن من اليهود والنصارى { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } وهم كعب بن الأشرف وأصحابه، والذين لم يؤمنوا منهم { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } يعني باللسان، بالسب وغيره، وليس لهم قوة القتال { وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ } يعني إن أعانوكم في القتال فلا منفعة لكم منهم لأنهم { يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدُبَارَ } وينهزمون { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } يقول: لا يُمْنَعون من الهزيمة فكأنه يحكي ضعفهم عن القتال، يقول: لو كانوا عليكم لا يضرونكم، ولو كانوا معكم لا ينفعونكم، وهذا حالهم إلى (يوم القيامة) وهم اليهود، ليس لهم شوكة ولا قوة القتال في موضع من المواضع، ويقال: { وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدُبَارَ } يعني: إن خرجوا إلى قتالكم وأرادوا قتالكم يولون الأدبار، أي ينهزمون منكم. ويقال: يُوَلُّوكم الأَدْبَار، يعني منهزمين، { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } يقول: لا يُمْنَعون منكم وهو قول الكلبي.