التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦١
أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٦٢
هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
١٦٣
-آل عمران

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم "يَغُل" بنصب الياء، وقرأ الباقون ["يُغَل" بضم الياء] ونصب الغين. فمن قرأ بالنصب معناه: وما كان لنبي أن يخون في الغنيمة، ومن قرأ بالضم، فمعناه: لا ينسب إلى الغلول وذلك أنه لما كان يوم أحد أخذوا في النهب والغارة، وتركوا القتال وخافوا أن تفوتهم الغنيمة وظنوا أن من أخذ شيئاً يكون له، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقسم لهم، فنزلت هذه الآية: { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ }، يقول: ما جاز لنبي أن يخون في الغنيمة، وما جاز لأصحابه أن ينسبوه إلى الخيانة، { وَمَن يَغْلُلْ } (أي يخن) في الغنيمة { يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يعني يحمله على ظهره. وهذا كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لأعرفن أحدكم يوم القيامة يأتي على عنقه شاة لها ثغاء [فيقول]: يا محمد فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، يريد أن من غل شاة أو بقرة أتى بها يوم القيامة يحملها. ويقال: من غلّ شيئاً في الدنيا، يمثل له يوم القيامة في النار، ثم يقال له: انزل إليه فَخُذْه، فيهبط إليه، فإذا انتهى إليه حمله، فكلما انتهى به إلى الباب سقط منه إلى أسفل جهنم، فيرجع فيأخذه، فلا يزال (كذلك) ما شاء الله. ويقال: يأت بِمَا غَلَّ: يعني تشهد عليه يوم القيامة تلك الخيانة والغلول. ويقال: هذا على سبيل (التمثيل) يأت بما غل { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي بوباله فيكون وباله على عنقه، كما قال في آية أخرى: { { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } [الأنعام: 31]. ثم قال تعالى: { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ } أي توفى وتجازي كل نفس { مَّا عَمِلَتْ } من خير أو شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئاً. { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } قال الكلبي: يعني أفمن أخذ الحلال من الغنيمة { كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } يعني: كمن استوجب سخطاً من الله بأخذ الغلول من الغنائم. ثم بين مستقر كل من غل (يوم القيامة)، ومن أخذ من الحلال فقال لمن غل: { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } الذي صاروا إليه يعني النار. وقال (في حق من) أخذ الحلال: { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } يعني لهم درجات في الجنة عند الله [ويقال: هم ذوو درجات عند الله]. { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي بمن غل وبمن لم يغل. وقال القتبي: هي طبقات - عند الله - في الفضل، فبعضهم أرفع من بعض. وقال أبو عبيدة والكسائي: لهم درجات عند الله. ويقال: لمن لم يغل درجات في الجنة، ولمن غل درجات في النار.