التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ
١٦٤
أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٦٥
وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٦٦
وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ
١٦٧
ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
١٦٨
-آل عمران

بحر العلوم

{ لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ } أي أنعم الله (عليهم) { إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ } يعني من أصلهم ونسبهم من العرب يعرفون نسبه. ويقال: "من أنفسهم" يعني من جنسهم، من بني آدم، ولم يجعله من الملائكة، وإنما خاطب بذلك المؤمنين خاصة، لأن المؤمنين هم الذين صدقوه فكأنه منهم. وقرىء في الشاذ: من (أَنفسكم) بنصب الفاء، أي من (أشرفهم)، وقد كانت له فضيلة في ثلاثة أشياء: أحدها: أنه كان من نسب شريف، لأنهم اتفقوا: أن العرب أفضل، ثم من العرب قريش[ثم من قريش بنو هاشم] فجعله من بني هاشم. والثاني: أنه كان أميناً فيهم قبل الوحي، [والثالث: أنه كان أمياً] لكي لا يرتاب فيه الافتعال. ثم قال: { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ } أي يعرض عليهم القرآن { وَيُزَكّيهِمْ } [يعني: يأخذ منهم الزكاة ليطهر أموالهم ويقال: ويزكيهم يعني، يطهرهم من الذنوب والشرك، ويقال:] ويزكيهم أي (يأمرهم) بكلمة الإخلاص، وهي قول لا إله إلا الله { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني القرآن، و"الحكمة" أي الفقه، وبيان الحلال والحرام { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي وقد كانوا من قبل مجيء محمد - صلى الله عليه وسلم - لفي خطأ بَيِّن. ثم رجع إلى قصة أحد، وذكر التعزية للمؤمنين بما أصابهم من الجراحات، فقال: { أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } يعني يوم أُحد { قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا } يوم بدر لأن المسلمين يوم بدر قتلوا سبعين نفساً من صناديد قريش، وأسروا سبعين، وقتل من المسلمين يوم أحد سبعين، ولم يؤسر منهم أحد، فذلك قوله تعالى: { قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا } وقوله: { أَوَلَمَّا } فالألف للاستفهام، والواو للعطف، "وما" صلة فكأنه قال: ولئن متم، أو قتلتم، أو أصابتكم مصيبة يوم أحد، قد أصبتم مثليها يوم بدر، { قُلْتُمْ: أَنَّىٰ هَـٰذَا } يعني قلتم فمن أين لنا هذا، وكيف أصابنا هذا ونحن مسلمون. { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } أي من عند قومكم، بمعصية الرماةِ بتركهم ما أمرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الضحاك: هو من عند أنفسكم، يعني بذنوبكم التي سلفت منكم قبل القتال، يعني أن في ذلك تطهيراً لما سلف من ذنوبكم، وهو قوله تعالى: { { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30]. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من النصرة والهزيمة { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } فبإذن الله أي جمع المسلمين [وجمع] المشركين { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي فبإرادة الله أصابكم { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } يعني أصابتكم المصيبة، لكي يظهر المؤمن من المنافق، ثم بين أمر المنافقين وصنيعهم وقلة حسبتهم في أمر الجهاد فقال: { وَقِيلَ لَهُمْ: تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ } يعني، إن لم تقاتلوا لوجه الله، فقاتلوا دفعاً عن أنفسكم وحريمكم، قال الكلبي: ويقال: ادفعوا يعني كثروا [وقال القتبي: "ادفعوا" أي كثروا]، لأنكم إذا كثرتم [ثم] دفعتم القوم [بكثرتكم] { قَالُواْ: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ } { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَـٰنِ } يعني أن ميلهم إلى الكفر أقرب من ميلهم إلى الإيمان وقوله { لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ } أي لجئنا معكم. "قال الضحاك: وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج يوم أحد أبصر كتيبة خثناء، وفيها كبكبة من الناس، فقال: من هؤلاء؟ فقيل: يا نبي الله هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبي، فقال: إنا لا نستعين بالكفار" فرجع عبد الله مع حلفائه من اليهود، فقال له عمر: أقم مع المؤمنين، فقال: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم ويقال: إن عونهم للكفار أكثر من عونهم للمؤمنين { يَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } ذكر الأفواه على معنى التأكيد، لأن الرجل يقول بالمجاز بالإشارة، وهذا كما قال: { يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَـٰبَ بِأَيْدِيهِمْ } [البقرة: 79] ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } من النفاق والكفر، ونزل فيهم أيضاً: { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ } من المنافقين { وَقَعَدُواْ } عن الجهاد { لَوْ أَطَاعُونَا } في القعود عن الجهاد { مَا قُتِلُوا } في الغزو { قُلْ } (لهم) يا محمد { فَادْرَءُواْ عَنْ أَنفُسِكُمُ } في حال حضور { ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَـٰدِقِينَ } في مقالتكم. قال الفقيه: سمعت بعض المفسرين بسمرقند يقول: لما نزلت هذه الآية: { فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ } مات يومئذ سبعون نفساً من المنافقين.