التفاسير

< >
عرض

لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ
١٩٨
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
١٩٩
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٢٠٠
-آل عمران

بحر العلوم

ثم ذكر مرجع المؤمنين ومصيرهم فقال: { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } أي اتقوا الشرك والفواحش ووحّدوا، { رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً } لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها أبداً { نُزُلاٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } يقول ثواباً من عند الله للمؤمنين الموحدين خاصة. { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } الجنة { خَيْرٌ لّلأَبْرَارِ } من الدنيا للمؤمنين المطيعين. { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } يعني مؤمني أهل الكتاب، معناه، من أهل الكتاب من آمن بالله فصدق بقوله: { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من القرآن وصدق { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } من التوراة والإنجيل يعني على أنبيائهم، فذكر حالهم وبين ثوابهم لكي يرغب غيرهم من أهل الكتاب ليؤمنوا إذا علموا بثوابهم، ثم نعتهم فقال تعالى: { خَـٰشِعِينَ للَّهِ } أي متواضعين لله، والخشوع: أصله التذلل وكذلك الخضوع، وقد فرق بعض أهل اللغة بين الخشوع والخضوع، فقال: الخضوع في البدن خاصة، والخشوع يكون في البدن والبصر والصوت والقلب كما قال الله تعالى: { { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } [طه: 108] وقال: { خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ } [القلم: 43]. ثم قال تعالى: { لاَ يَشْتَرُونَ بِـآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } يعني عرضاً يسيراً كفعل اليهود، { أُوْلـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ } أي ثوابهم { عِندَ رَبّهِمْ } الجنة { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي شديد العقوبة ويقال: سريع الحفظ والتعريف. { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ } أي اصبروا على البلاء والجهاد وأداء الفرائض، وعن المعاصي. { وَصَابِرُواْ } مع نبيكم - صلى الله عليه وسلم - على عدوكم حتى يدعوا دينهم إلى دينكم، يعني يتركوا الشرك، ويدخلوا في الإيمان { وَرَابِطُواْ } مع عدوكم ما أقاموا وهذا قول الكلبي. وقال عكرمة: اصبروا على البلاء وعلى طاعة الله "وصابروا" أهل الضلالة "ورابطوا" الخيول. وقال الزجاج: اصبروا على دينكم وصابروا على عدوكم، ورابطوا أي أقيموا على جهادكم بالحرب { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في جميع ما أمركم ونهاكم. وقال القتبي: أصل المرابطة: أن يربطوا خيولهم في الثغر. { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يقول: تفوزون وتأمنون النار وتنجون منها، ويقال: أصل الفلاح البقاء بالنعمة، ويقال: الفلاح أن يبلغ الإنسان نهاية ما (يؤمل). والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين آمين.