ثم قال تعالى: { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } يقول في طاعة الله إلى المدينة { يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً } يقول ملجأ ومحولاً من الكفر إلى الإيمان { وَسَعَةً } من الرزق. وقال القتبي: المراغم، والمهاجر واحد، ويقال: راغمت وهاجرت لأنه إذا أسلم خرج مراغماً لأهله، أي مغايظاً لهم، والمهاجر، المنقطع. وقيل للذاهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هجرة مراغم، لأنه إذا خرج هجر قومه. وروي عن معمر عن قتادة، قال: لما نزلت { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ ظَـٰلِمِي أَنفُسِهِمْ... } الآية فقال رجل من المسلمين وهو مريض: والله ما لي عذر إني أجد الدليل في الطريق، وإني لموسر، فاحملوني، فحملوه، فأدركه الموت في الطريق، فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لو بلغ إلينا لتم أجره، وقد مات بالتنعيم وجاء بنوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه بالقصة، فنزلت هذه الآية: { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ } يعني في الطريق { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } أي ثوابه على الله الجنة { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لما كان منه في الشرك { رَّحِيماً } حين قبل توبته، وكان اسمه جندع بن ضمرة. قوله تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني إذا خرجتم إلى السفر { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } ويقول: لا مأثم، ولا حرج عليكم { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ، إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } يعني يقتلكم، والفتنة في أصل اللغة الاختبار، ثم سمى القتل فتنة لأن معنى الاختبار كما قال:
{ { عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } [يونس: 83] أي يقتلهم فالله تعالى، قد أباح قصر الصلاة عند الخوف، ثم صار ذلك عاماً لجميع المسافرين أن يقصروا من الصلاة، خافوا أو لم يخافوا. وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عليه - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته" . ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } ظاهر العداوة، ومعناه، كونوا بالحذر منهم.