قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } أي صدقوا بالله تعالى والرسول، والقرآن وأدوا الفرائض وانتهوا عن المحارم { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ } وهي البساتين { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } وهي أربعة أنهار: نهر من ماء غير آسن، ونهر من لبن، ونهر من خمر، ونهر من عسل مصفى، { خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } يعني مطمئنين فيها لا يتغير بهم الحال، فهذا وعد من الله تعالى، ثم قال: { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } أي صدقاً، وكائناً، أنجز لهم ما وعد لهم من الجنة { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } أي قولاً ووعداً. قوله تعالى: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِيّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } وذلك أن أهل الكتاب قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وقال المؤمنون: إنا أسلمنا لا تضرنا الذنوب، فنزل: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِيّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } يقول: ليس لكم يا معشر المسلمين ما تمنيتم، ولا أهل الكتاب ما تمنوا { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } أي من يعمل معصية دون الشرك يعاقب به. وقال الزجاج: معناه، ليس ثواب الله بأمانيكم، ولا أماني أهل الكتاب، وقد جرى ما يدل على إضمار الثواب، وهو قوله: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } أي إنما يدخل الجنة من آمن وعمل صالحاً ليس كما تمنيتم و { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } أي لا ينفعه تمنيه. ويقال: لما نزلت هذه الآية:
" { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } شق ذلك على المسلمين، وقال أبو بكر - رضي الله عنه - كيف الفلاح بعد هذه الآية يا رسول الله فقال - صلى الله عليه وسلم - ألست تمرض؟ ألست تصيبك اللأواء؟ أي الشدة، فذلك كله جزاؤه" . حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا العباسي، قال: حدثنا الحسن بن صباح قال: حدثنا عبد الوهاب الخفاف عن زياد عن علي بن زيد، عن مجاهد قال: مر ابن عمر على ابن الزبير، وهو مصلوب، فنظر إليه فقال: يغفر الله لك ثلاثة، والله ما علمتك إلا كنت صواماً قواماً، وصالاً للرحم، أما والله، إني لأرجو مع مساوىء ما أصبت أن لا يعذبك الله بعدها أبداً، ثم التفت فقال - سمعت أبا بكر الصديق يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يعمل سوءاً يجز به في الدنيا" . وروى محمد بن قيس، عن أبي هريرة قال: لما نزلت { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } شق ذلك على المسلمين، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قاربوا وسددوا فكل ما يصيب المؤمن كفارة، حتى الشوكة تشاكه، والنكبة تنكبه" وقال الضحاك: السوء الكفر، وقال مجاهد: قالت قريش: لن نبعث، ولن نعذب، فنزلت { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ } أي أماني كفار قريش، ولا أماني أهل الكتاب، { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } أي يعاقب عليه. ثم قال تعالى: { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً } يعني الكافر، لا يجد لنفسه { مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي من عذاب الله ولياً يمنعه { وَلاَ نَصِيراً } ينفعه ويمنعه من العذاب. ثم قال تعالى: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } يعني يؤدي الفرائض، وينتهي عن المحارم { مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } أي من رجل أو امرأة { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي مصدق بالثواب والعقاب { فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } لا شك فيها { وَلاَ يُظْلَمُونَ } أي لا ينقصون من ثواب أعمالهم { نَقِيراً } وهي النقرة التي تكون على ظهر النواة. قرأ أبو عمرو، وابن كثير: { فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } بضم الياء، ونصب الخاء على معنى فعل ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون بنصب الياء وضم الخاء، أي يدخلون الجنة بأعمالهم ثم فضل دين الإسلام على سائر الأديان.