التفاسير

< >
عرض

لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً
١٤٨
إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً
١٤٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
١٥٠
أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
١٥١
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٥٢
-النساء

بحر العلوم

قوله تعالى: { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أي لا يحب أن يذكر بالقول القبيح لأحد من الناس { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } فيقتص من القول بمثل ما ظلم، فلا جناح عليه. نزلت الآية في شأن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - شتمه رجل فسكت أبو بكر مراراً ثم رد عليه - ويقال: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } فيدعوا الله تعالى على ظالمه، وقال الفراء: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } يعني ولا من ظلم، وقال السدي: يقول: من ظلم فانتصر بمثل ما ظلم، فليس عليه جناح وقال الضحاك: { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوءِ } أي لا يحب لكم أن تنزلوا برجل فإذا ارتحلتم عنه، تذمون طعامه، إلا رجلاً أردتم النزول عليه عند حاجتكم فمنعكم، وقال مجاهد: هو في الضيافة، إذا دخل الرجل المسافر إلى القوم يريد أن ينزل عليهم، فلم يضيفوه، فقد رخص له أن يذكر كلاماً عنهم، ويقول فيهم، ويقال: يعني يسبه مثل ما سبه، ما لم يكن كلاماً فيه حد، أو كلمة لا تصلح، ولو لم يقل كان أفضل. وقرأ بعضهم: { إلا من ظلم } متصل بما يفعل الله بعذابكم إلا من ظلم يعني من إشراك بالله، وهو شاذ من القراءة. ثم قال تعالى: { وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً } أي سميعاً بدعاء المظلوم عليماً بعقوبة الظالم. ثم أخبر عن التجاوز أنه خير من الانتصار فقال تعالى: { إِن تُبْدُواْ خَيْراً } يعني أن تظهروا حسنة { أَوْ تُخْفُوهْ } يعني الحسنة { أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوءٍ } يعني يتجاوز عن ظالمه، ولا يجهر بالسوء عنه، فهو أفضل لأن الله تعالى قادر على عباده، فيعفو عنهم [وذلك] قوله: { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } يعني إن الله أقدر على العقوبة لكم فيعفو عنكم. قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } قال ابن عباس نزلت الآية في أهل الكتاب يؤمنون بموسى وعيسى ويكفرون بغيرهما، وهو قوله: { وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } يعني يريدون أن يتخذوا ديناً، لم يأمر به الله ورسوله { وَيقُولُونَ: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ } بموسى وعزير والتوراة { وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبعيسى والإنجيل، والقرآن { وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } يعني بين اليهودية والإسلام قوله تعالى: { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ حَقّاً } حين كفروا ببعض الرسل { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } يهانون فيه. وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } يعني، أقروا بوحدانية الله تعالى، وصدقوا بجميع الرسل { وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } في الإيمان والتصديق، يعني لم يكفروا، ولم يجحدوا بأحد من الأنبياء والرسل - عليهم السلام - ويصدقون بجميع الكتب { أُوْلَـٰئِكَ } يعني أهل هذه الصفة { سَوْف نؤتّيهِمْ أُجُورَهُمْ } أي سنعطيهم ثوابهم في الجنة { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لذنوبهم { رَّحِيماً } بهم لما كان منهم في الشرك. قرأ عاصم في رواية حفص: (يؤتيهم) بالياء، وقرأ الباقون (نؤتيهم) بالنون.