التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً
١٦٣
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً
١٦٤
-النساء

بحر العلوم

قوله تعالى: { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } يعني أرسلنا إليك جبريل { كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ } يعني كما أرسلنا إلى نوح. ويقال: أوحينا إليك بأن تثبت على التوحيد، وتأمر الناس بالتوحيد كما أوحينا إلى نوح بأن يثبت على التوحيد، ويدعو الناس إلى التوحيد { وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } أي أوحينا إليهم بذلك: { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } وهما إبنا إبراهيم عليهم السلام { وَيَعْقُوبَ } وهو إبن إسحق { وَالأَسْبَاطَ } وهم أولاد يعقوب عليه السلام، كانوا اثني عشر سبطاً، أوحينا إلى أنبيائهم بأن يثبتوا على التوحيد، ويدعوا الناس إلى ذلك، { و } أوحينا إلى { عِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ، وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } قرأ حمزة: (زبورا) بضم الزاي، وقرأ الباقون بالنصب في جميع القرآن ومعناهما واحد وهو عبارة عن الكتاب. ثم قال: { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَـٰهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } يعني قد سميناهم لك من قبل، يعني بمكة { وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } يعني: لم نسميهم لك وقد أرسلناك كما أرسلنا هؤلاء، وروي عن كعب الأحبار أنه قال: كان الأنبياء ألفي ألف ومائتي ألف، وقال مقاتل: كان الأنبياء ألف ألف، وأربعمائة ألف، وأربعة وعشرين ألفاً. وروي عن أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "بعث على أثر ثمانية آلاف من الأنبياء، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل" . قال الفقيه أبو الليث حدثنا الفقيه أبو جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد القاضي، قال: حدثنا إبراهيم بن حشيش البصري عن شعبة، عن أبي إسحق عن الحارث الأعور، عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا نبي الله كم كانت الأنبياء؟ وكم كان المرسلون فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كانت الأنبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، وكان المرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر" . ثم قال: { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً }. قال بعضهم: معناه أنه قد أوحى إليه وإنما سماه كلاماً على وجه المجاز كما قال في آية أُخرى: { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ } [الروم: 35] أي يستدلون بذلك، والعرب تقول: قال الحائط كذا، وقال عامة المفسرين، وأهل العلم أن هذا كلام حقيقة، لا كلام مجاز لأنه قد أكده بالمصدر حيث قال: { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً }، والمجاز لا يؤكد لأنه لا يقال: قال الحائط قولاً، فلما أكده بالمصدر نفى عنه المجاز وقال في موضع آخر: { { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ: كُنْ، فَيَكُونُ } [النحل: 40] وقد أكده بالتكرار، ونفى عنه المجاز. وقال في موضع آخر: { { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً } [الشورى: 51] يعني الأنبياء الذين لم يكونوا مرسلين، فأراهم في المنام، أو من وراء حجاب بكلام مثل ما كلم الله موسى، أو يرسل رسولاً، وهو رسالة جبريل إلى المسلمين.