قوله تعالى: { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ } يعني لن يتعظم، ولن يأنف، ولن يتكبر، ويقال: لن يحتشم أن يكون عبداً لله. ويقال: إن وفد نجران أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وناظروه في أمر عيسى - عليه السلام - فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان عبد الله ورسوله، فقالوا: لا تقل هكذا فإن عيسى يأنف عن هذا القول، فنزل تكذيباً لقولهم: { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ }، يعني كان عيسى مقراً بالعبودية. ثم قال تعالى: { وَلاَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } يعني حملة العرش، لن يأنفوا عن الإقرار بالعبودية، وقال مقاتل: الملائكة المقربون، أقرب إليه، فلم يأنفوا عن عبادته فكيف يأنف عيسى - عليه السلام - وهو عبد من عباده. ثم قال تعالى: { وَمَن يَسْتَنْكِفْ } أي يتعظم { عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ } والاستكبار: هو الاستنكاف، يقال: استنكف واستكبر، يعني استكبر عن طاعته { فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } يأمر بهم إلى النار. ثم قال عز وجل: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } أي الطاعات فيما بينهم وبين ربهم { فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ } أي يوفر لهم ثواب أعمالهم { وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } أي من رزقه في الجنة { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ } عن عبادة الله تعالى { فَيُعَذّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً } أي وجيعاً دائماً { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } يعني من عذاب الله { وَلِيّاً } يعينهم { وَلاَ نَصِيراً } مانعاً يمنعهم.