التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً
٢٢
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
٢٣
-النساء

بحر العلوم

فقال تعالى: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنّسَاءِ }، يعني لا تتزوجوا من قد تزوج آباؤكم من النساء. ويقال اسم النكاح يقع على الجماع والتزوج، فإن كان الأب تزوج امرأة أو وطئها بغير نكاح حرمت على ابنه وقوله { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يقول: لا تفعلوا ما قد فعلتم في الجاهلية، وكان الناس يتزوج الرجل منهم امرأة الأب برضاها، بعد نزول قوله { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً } حتى نزلت هذه الآية: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ... } الآية، فصار حراماً في الأحوال كلها. ويقال: إلا ما قد سلف، يعني: ولا ما قد سلف، كقوله تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً } [النساء: 92] ولا خطأ وقد قيل: إن في الآية تقديماً وتأخيراً، ومعناه، ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [فإنكم إن فعلتم تواخذون وتعاقبون إلا ما قد سلف] إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، إلا ما قد سلف. وقد قيل: إن في الآية إضماراً تقول { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ } من النساء فإنكم إن فعلتم تعاقبون وتؤاخذون إلا ما قد سلف. ثم قال: { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } أي معصية { وَمَقْتاً } أي بغضاً { وَسَاء سَبِيلاً } أي بئس المسلك. { حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ } أي نكاح أمهاتكم، فذكر الأمهات والمراد منه الأمهات والجدات. { وَبَنَـٰتُكُمْ } ذكر البنات والمراد به البنات والحفيدات [أي بنات الأولاد] ثم قال تعالى: { وَأَخَوٰتُكُمْ } يعني من النسب { وَعَمَّـٰتُكُمْ وَخَـٰلَـٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ الْلاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَاعَةِ }. ثم قال تعالى: { وَأُمَّهَـٰتُ نِسَائِكُمْ } يعني أن نكاح أمهات نسائكم حرام عليكم سواء دخل بالإبنة أو لم يدخل بها. هكذا روي عن ابن عباس وعن جماعة من الصحابة إنهم قالوا ذلك، ثم قال: { وَرَبَائِبُكُمُ } يعني حرام عليكم نكاح بنات نسائكم { ٱللَّـٰتِي فِي حُجُورِكُمْ } يعني التي يربيها في حجره حرام عليه إذا دخل بأمها { مِّن نِّسَائِكُمُ ٱللَّـٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } يعني إن لم يكن دخل بأمها فهي حلال، له أن يتزوجها [وقد اتفقوا على أن] كونها في الحجر ليس بشرط غير قول روي عن بعض المتقدمين وإنما ذكر الحجر لتعارفهم فيما بينهم وتسميتهم بذلك الإسم. ثم قال تعالى: { وَحَلَـٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ } يعني حرام عليكم نساء أبنائكم { ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَـٰبِكُمْ } يقال: إنما اشترط الذين من الأصلاب، لزوال الاشتباه لأن القوم كانوا يتبنون في ذلك الوقت ويجعلون الابن المتبنى بمنزلة ابن الصلب في الميراث والحرمة، وتبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة، فتزوج زيد بن حارثة امرأة ثم طلقها، فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعيره المشركون بذلك، وقالوا تزوج امرأة ابنه فنزل قوله تعالى: { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ } [الأحزاب: 40] وذكر في هذه الآية فقال: { وَحَلَـٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَـٰبِكُمْ } لكي لا يظن أحد أن امرأة الابن المتبنى تحرم عليه. ثم قال تعالى: { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ } أي حرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين في النكاح في حالة واحدة، ثم قال تعالى: { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يقول: إلا ما قد مضى في الجاهلية. وروى هشام بن عبيد الله، عن محمد بن الحسن أنه قال: كان أهل الجاهلية يعرفون هذه المحرمات كلها، التي ذكر في هذه الآية إلا اثنتين: أحدهما: نكاح امرأة الأب، والثانية الجمع بين الأختين ألا ترى أنه قال تعالى: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [{ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } ولم يذكر في سائر المحرمات إلا ما قد سلف]. ويقال: إلا ما قد سلف يعني، دع ما قد مضى { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً } لما كان في الجاهلية { رَّحِيماً } بما كان في الإسلام إن تاب من ذلك.