التفاسير

< >
عرض

وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً
٣٩
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً
٤٠
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً
٤١
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً
٤٢
-النساء

بحر العلوم

{ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ } أي وما كان عليهم { لَوْ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ } مكان الكفر { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ، وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } مكان البخل في غير رياء، ويقال: وماذا عليهم، أي لم يكن عليهم شيء من العذاب لو آمنوا بالله [واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله من الأموال وهي الصدقة] { وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } أنهم لم يؤمنوا. ويقال: إن الله عليم بثواب أعمالهم، ولا يظلمهم شيئاً من ثواب أعمالهم قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } يعني، لا ينقص من ثواب أعمالهم وزن الذرة قال الكلبي: وهي النملة الحميراء الصغيرة. ويقال: هو الذي يظهر في شعاع الشمس، ويقال: لا يظلم مثقال ذرة، يعني لا يزيد عقوبة الكافر مثقال ذرة ولا ينقص من ثواب المؤمنين مثقال ذرة. ثم قال تعالى: { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـٰعِفْهَا }، قرأ نافع وابن كثير: (وإن تك حسنة) بضم الهاء، لأنه اسم تك، بمنزلة اسم كان، وقرأ الباقون (حسنة) بالنصب، وجعلوه خبر تك، والاسم فيه مضمر، معناه، وإن تكن الفعل حسنة، يضاعفها، يعني إذا زاد على حسناته مثقال ذرة من حسنة يضاعفها الله تعالى حتى يجعلها مثل أحد، ويوجب له الجنة، فذلك قوله تعالى: { وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } يعني الجنة. وروى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: خمس آيات في سورة النساء أحب إلي من الدنيا وما فيها، قوله تعالى: { { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ... } [سورة النساء: 31] الآية وقوله { { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ... } [سورة النساء: 64] الآية وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ... } الآية، وقوله: { { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ... } [سورة النساء:48] الآية، وقوله و { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ... } [سورة النساء: 123] الآية. وقوله تعالى: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } أي فكيف يصنعون؟ وكيف يكون حالهم؟ إذا جئنا من كل أمة بشهيد، يعني بنبيها هو شاهد بتبليغ الرسالة من ربهم { وَجِئْنَا بِكَ } يا محمد { عَلَىٰ هَـؤُلاءِ شَهِيداً } يعني على أمتك شهيداً بالتصديق لهم، لأن أمته يشهدون على الأمم المكذبة للرسالة، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى للأمم الخالية: هل بلغتكم الرسل رسالاتي؟ فيقولون: لا، فقالت الرسل: قد بلغنا، ولنا شهود. فيقول - عز وجل - ومن شهودكم؟ فيقولون: أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيؤتى بأمة محمد - عليه السلام - فيشهدون بتبليغ الرسالة بما أوحي إليهم من ربهم في كتابهم في قصة الأمم الخالية، فتقول الأمم [الماضية] إن فيهم زواني، وشارب الخمر، فلا يقبل شهادتهم، فيزكيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول المشركون: { { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [سورة الأنعام: 23] فيختم على أفواههم، وتشهد أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، فذلك قوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } أي تخسف بهم الأرض. ويقال: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، الرسل يشهدون على قومهم بتبليغ الرسالة، ويشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته بتبليغ الرسالة من قبل، ومن لم يقبل. حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا أبو منيع، قال: حدثنا أبو كامل قال: حدثنا فضيل عن يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاهم من بني ظفر، فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ومعه ابن مسعود ومعاذ وناس من الصحابة، فأمر قارئاً فقرأ حتى إذا أتى على هذه الآية: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً } بكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى اخضلت وجنتاه، فقال: "يا رب هذا علمي بمن أنا بين ظهرانيهم فكيف بمن لم أرهم" ؟ ثم قال تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني يتمنى الذين كفروا، يعني الكفار، { وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ، لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } أي يكونوا تراباً يمشي عليهم أهل الجمع { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً }. وهو قولهم: { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23]. قال الزجاج: قال بعضهم { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } مستأنف، لأن ما عملوا ظاهر عند الله تعالى، لا يقدرون على كتمانه. وقال بعضهم: هو كلام بناء، يعني يودون أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثاً، لأنه مظهر كذبهم. قرأ حمزة والكسائي: (تسوى) بنصب التاء وتخفيف السين، وتشديد الواو، يعني يخسف بهم، وقرأ عاصم وابن كثير وأبو عمرو (تسوى) بضم التاء [فأدغم إحدى التائين في الأخرى] على فعل لم يسم فاعله، أي يصيروا تراباً، وتسوى بهم الأرض وقرأ نافع وابن عامر: (تسوى) بنصب التاء وتشديد السين والواو لأن أصله تتسوى، فادغم إحدى التائين في السين.