التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
٢١
قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٢٢
قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ
٢٣
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٤
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ
٢٥
وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٢٦
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢٧
فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٨
-الأحقاف

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } يعني واذكر لأهل مكة، ويقال معناه واصبر على ما يقولون واذكر هود { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } يعني خوف قومه بموضع يقال له الأحقاف روى منصور عن مجاهد قال: الأحقاف الأرض، ويقال: جبل بالشام ويسمى الأحقاف، وقال القتبي: الأحقاف: جمع حقف وهو من الرمل ما أشرف من كثبانه واستطال وانحنى { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } يعني مضت من قبل هود { وَمِنْ خَلْفِهِ } يعني ومن بعده { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } يعني خوفهم ألا تعبدوا إلا الله ووحدوه { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني أعلم أنكم إن لم تؤمنوا يصبكم عذاب يوم كبير { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءالِهَتِنَا } يعني لتصرفنا عن عبادة آلهتنا { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } من العذاب { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } أن العذاب نازل بنا { قَالَ } هود { إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } يعني علم العذاب عند الله يجيء بأمر الله، وإنَّما عليَّ تبليغ الرسالة، وليس بيدي إتيان العذاب، فذلك قوله { وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ } يعني ما يوحي الله إليَّ لأدعوكم إلى التوحيد { وَلَـٰكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } لما قيل لكم، ولما يراد بكم من العذاب { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } يعني لما رأوا العذاب مقبلاً، وكانت السحابة إذا جاءت من قبل ذلك الوادي أمطروا، وقال القتبي: العارض: السحاب { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } يعني هذه سحابة وغيم ممطرنا، أي تمطر به حروثنا، لأن المطر كان حبس عنهم فقال هود: ليس هذا عارض { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ } يعني الريح والعذاب { رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي متلف، وروى عطاء عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رياحاً مختلفة تلون وجهه وتغير وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فذكرت ذلك له فقال: وما يدريك لعله كما قال الله: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } فإذا أمطرت سري عنه، ويقول { { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [الفرقان: 48] ثم قال تعالى { تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء بِأَمْرِ رَبّهَا } يعني تهلك الريح كل شيء بأمر ربها، أي بإذنه تعالى { فَأَصْبَحُواْ } أي فصاروا من العذاب بحال { لاَ يُرَىٰ مَسَـٰكِنِهِمْ } وقد ذكرناه في سورة الأعراف، قرأ حمزة وعاصم (لا يُرَى) بضم الياء (مَسَاكِنُهُمْ) بضم النون على معنى: فعل ما لم يسم فاعله، يعني: لا يرى شيء وقد هلكوا كلهم، وقرأ الباقون (لاَّ تَرَى) بالتاء على معنى المخاطبة، ومعناه لا ترى شيئاً أيها المخاطب لو كنت حاضراً ما رأيت إلا مساكنهم، ثم قال { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } يعني هكذا نعاقب القوم المشركين عند التكذيب { وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ } يعني أعطيناهم الملك والتمكين { فِيمَا إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ } يعني ما لم نمكن لكم، ولم نعطكم يا أهل مكة، وقال القتبي إن الخفيفة قد تزاد في الكلام كقول الشاعر: ما إن رأيت ولا سمعت به، يعني ما رأيت ولا سمعت به يعني ما لم نمكن لكم ومعنى الآية ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه، وقال الزجاج: إنْ هٰهنا مكان ما، يعني فيما مكناكم فيه، ويقال معناه ولقد مكناهم في الذي مكناكم فيه { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَـٰراً وَأَفْئِدَةً } يعني جعلنا لهم سمعاً ليسمعوا المواعظ، وأبصاراً لينظروا في الدلائل وأفئدة ليتفكروا في خلق الله تعالى { فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } يعني لم ينفعهم من العذاب { سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْء } إذ لم يسمعوا الهدى، ولم ينظروا في الدلائل، ولم يتفكروا في خلقه { إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } يعني بدلائله { وَحَاقَ بِهِم } يعني نزل بهم من العذاب { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } يعني العذاب الذي كانوا يجحدون به ويستهزئون قوله تعالى { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مّنَ ٱلْقُرَىٰ } يعني أهلكنا قبلكم يا أهل مكة بالعذاب ما حولكم من القرى { وَصَرَّفْنَا ٱلآيَـٰتِ } أي بينا لهم الدلائل والحجج والعلامات { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي يرجعون عن كفرهم قبل أن يهلكوا قوله تعالى { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ } يعني فهلا نصرهم، يعني كيف لم يمنعهم من العذاب { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً } يعني عبدوا من دون الله ما يتقربون بها إلى الله { ءالِهَةً } يعني أصناماً كما قال في آية أخرى { { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] { بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ } يعني الآلهة لم تنفعهم شيئاً، ويقال اشتغلوا بأنفسهم، ويقال بطلت عنهم { وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ } يعني كذبهم { وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } يعني يختلقون، وذكر أبو عبيدة بإسناده عن عبد الله بن عباس أنه قرأ (أَفَكَهُمْ) بنصب الألف والفاء والكاف، يعني ذلك الفعل أضلهم وأهلكهم وصرفهم عن الحق، وقراءة العامة بضده (وَذَلِكَ إفْكهم) يعني ذلك الفعل: وهو عبادتهم وقولهم وكذبهم، ويقال (وَذَلِكَ إفْكُهُمْ) اليوم كما كان إفك من كان قبلهم.