التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
١٠
سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
١١
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً
١٢
وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً
١٣
وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٤
-الفتح

بحر العلوم

قوله عز وجل: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } يعني يوم الحديبية تحت الشجرة، وهي بيعة الرضوان، قال الكلبي: بايعوا تحت الشجرة، وهي شجرة السَمرة وهم يومئذٍ ألف وخمسمائة وأربعون رجلاً، وروى هشام عن محمد بن الحسن قال: كانت الشجرة أم غيلان { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } يعني كأنهم يبايعون الله، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما بايعهم بأمر الله تعالى، ويقال { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } أي لأجله وطلب رضاه ثم قال { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } يعني يد الله بالنصرة والغلبة والمغفرة { فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } بالطاعة، وقال الزجاج { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم } يحتمل ثلاثة أوجه أحدها: يد الله فوق أيديهم بالوفاء، ويحتمل يد الله فوق أيديهم بالثواب، فهذان وجهان جاءا في التفسير، ويحتمل أيضاً: يد الله فوق أيديهم في المِنَّة عليهم وفي الهداية، فوق أيديهم في الطاعة { فَمَن نَّكَثَ } يعني نقض العهد والبيعة { فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [يعني عقوبته على نفسه { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ } قرأ حفص برفع الهاء أي وفي بما عاهد عليه من البيعة فيتم ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم، يعني أوفى بما عاهد الله عليه] من البيعة والتمام في ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } في الجنة، قرأ نافع وابن كثير وابن عامر (فَسَنُؤْتِيهِ) بالنون والباقون بالياء، وكلاهما يرجع إلى معنى واحد، يعني سيؤتيه الله ثواباً عظيماً قوله تعالى { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } وهم أسلم وأشجع وعقار وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى مكة عام الحديبية، فاستتبعهم وكانت منازلهم بين مكة والمدينة، فقالوا فيما بينهم نذهب معه إلى قوم جاؤوه فقتلوا أصحابه فقاتلهم، فاعتلوا عليه بالشغل حتى رجع، فأخبر الله تعالى رسوله قبل ذلك أنه إذا رجع إليهم استقبلوه بالعذر وهم كاذبون، فقال { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } يعني الذين تخلفوا عن بيعة الحديبية { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا وَأَهْلُونَا } يعني خفنا عليهم الضيعة ولولا ذلك لخرجنا معك { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } في التخلف { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } يعني من طلب الاستغفار، وهم لا يبالون استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم { قُلْ } يا محمد { فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } يعني من يقدر أن يمنع عنكم من عذاب الله شيئاً { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } يعني قتلاً أو هزيمة { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } يعني النصرة، قرأ حمزة والكسائي (ضُرًّا) بضم الضاد وهو سوء الحال، والمرض وما أشبه ذلك والباقون بالنصب وهو ضد النفع، اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التقرير، يعني لا يقدر أحد على دفع الضر، ومنع النفع غير الله، ثم استأنف الكلام فقال { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } يعني عالماً بتخلفكم ومرادكم قوله عز وجل { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ } يعني بل منعكم من السير معه لأنكم ظننتم أن لن ينقلب الرسول { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } من الحديبية { إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيّنَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ } يعني حُسْن التخلف في قلوبكم { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } يعني حسبتم الظن القبيح { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } يعني هلكى، وروي عن ابن عباس أنه قال: البور في لغة أزد وعمان - الشيء الفاسد - والبور في كلام العرب: لا شيء، يعني أعمالهم بور، أي مبطلة قوله عز وجل { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } يعني من لم يصدق بالله في السر كما صدقه في العلانية { فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَعِيراً } يعني هيأنا لهم عذاب السعير قوله تعالى { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني خزائن السماوات والأرض، ويقال ونفاذ الأمر في السماوات والأرض { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاءُ } وهو فضل: منه المغفرة، ويعذب من يشاء على الذنب الصغير وهو عدل منه { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لذنوبهم { رَّحِيماً } بهم.