التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٤
ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ
٥
-المائدة

بحر العلوم

قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } نزلت الآية في شأن «عدي بن حاتم الطائي»، قال: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا قوم نتصيَّد بهذه الكلاب والبزاة، فما يحل لنا منها؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما علّمت من كلب أو بازيٍّ، ثم أرسلتَه، وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل ما أَمْسَكَ عليك، فقلت: وإن قتله، قال: إن قتله ولم يأكل منه شيئاً، فكل فإنما أمسك عليك، وإن أكل منه شيئاً فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه قال: قلت: فإذا خالط كلابنا كلابٌ أخرى حين ترسلها؟ قال: لا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك عليك" ، ونزلت هذه الآية: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } يعني ماذا رخص لهم من الصيد [ويقال لما أنزل قوله تعالى { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ } قالوا: إن الله تعالى حرم هذه الأشياء فأي شيء لنا حلال يا رسول الله] { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ } يعني رخص لكم الحلالات من الذبائح [{ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } يعني وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح من الطير والكلاب الكواسب، ويقال: الجوارح الجارحات. ثم قال: { مُكَلِّبِينَ } بكسر اللام، وقرأ بعضهم بالنصب، فمن قرأ بالكسر يعني به أصحاب الكلاب، المعلِّمين للكلاب ومن قرأ بالنصب، أراد به الكلاب، يعني الكلاب المعلَّمة، (مكلبين) يعني معلمين ثم قال: { تُعَلّمُونَهُنَّ } يعني تؤدبونهن في طلب الصيد { مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } يقول: كما أدبكم الله تعالى، وروي عن مجاهد أنه سئل عن الصقر والبازي والفهد، قال: هذه كلها جوارح، ولا بأس بصيده إذا كان معلماً. ثم قال: { فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } يعني: حبسن عليكم { وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } إذا أرسلتم الكلاب على الصيد. وفي هذه الآية دليل: أن الكلب إذا كان أَكَل لا يؤكل، لأنه أمسك لنفسه، وفيها دليل: أنه لا يجوز إلا بالتسمية، لأنه قد أباح على شرط التسمية، وعلى شرط أن يمسك لصاحبه، وفيها دليل أيضاً أن الكلب إذا كان غير معلَّم لا يجوز أكلُ صيده، وفيها دليل أيضاً أن العالِم له من الفضيلة ما ليس للجاهل، لأن الكلب إذا عُلِّم يكون له فضيلة على سائر الكلاب، وأن الإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس، وهذا كما روي عن علي - كرم الله وجهه - أنه قال: لكل شيء قيمة، وقيمة المرء ما يُحْسِن. ثم خَوّفهم فقال: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي اخشوا الله ولا تأكلوا الميتة، ولا تأكلوا ما لم يذكر اسم الله عليه، { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يعني سريع المجازاة، وقوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتُ } يعني المذبوحات من الحلال يعني اليوم أظهر وبين حله، ثم قال: { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني ذباح أهل الكتاب { حِلٌّ لَكُمْ } يعني حلال لكم أكله { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } يعني ذبائحكم وطعامكم رخص لهم أكله. وقال الزجاج: تأويله أحل لكم أن تطعموهم، لأن الحلال والفرائض إنما تعتمد على أهل الشريعة. ثم قال: { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } يعني أحل لكم تزوج العفائف من المؤمنات { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني العفائف من أهل الكتاب { مِن قَبْلِكُمْ } يعني أُعْطوا الكتاب من قبل كتابكم وهو التوراة والإنجيل، واختلفوا في نكاح الصابية، وقد ذكرناه في سورة البقرة ثم قال: { إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } يعني أعطيتموهن مهورهن { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } يقول: كونوا متعففين عن الزنا { وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } يقول: لا تتخذوا خِدْناً فتزنوا بها سراً، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يعيِّرون من يزني [في العلانية ولا يعيرون من يزني] سراً فحرم الله زنا السر والعلانية، فلما نزلت هذه الآية قلن - نساء أهل الكتاب - لولا أن الله تعالى قد رضي بديننا، لم يبح للمسلمين نكاحنا، فنزل { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَـٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } [وقيل لنا نزل قوله حرمت عليكم الميتة ثم رخص من حالة الاضطرار فقال بعضهم لا نأخذ الرخصة من الاضطرار فنزل { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَـٰنِ }]. ويقال: هذا ابتداء خطاب وهو لجميع المسلمين فقال: { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَـٰنِ } قال ابن عباس: يعني من يكفر بالتوحيد بشهادة أن لا إله إلا الله فقد حبط عمله. وقال مجاهد: معناه: ومن يكفر بالإيمان، فقد حبط عمله، يعني بطل ثواب عمله { وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } يعني من المغبونين في العقوبة. ولهذا قال أصحابنا رحمهم الله: إن الرجل إذا صلى، ثم ارتد، ثم أسلم في وقت تلك الصلاة، وجب عليه إعادة تلك الصلاة، ولو كان حج حجة الإسلام، فعليه أن يعيد الحج، لأنه قد بطل ما فعل قبل ارتداده.