التفاسير

< >
عرض

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٤٥
وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
٤٦
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٤٧
-المائدة

بحر العلوم

فقال: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } يعني فرضنا على بني إسرائيل في التوراة { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } إذا كان القتل عمداً { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } إذا كان عمداً { وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ } إذا كان عمداً { وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ } إذا كان عمداً { وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ } إذا كان عمداً { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } إذا كان عمداً. وروى عكرمة عن ابن عباس: أن بني النضير كان لهم شرف على بني قريظة وكانت جراحاتهم على النصف فحملهم على الحق، وجعل دم القرظي والنضيري سواء فقال كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف: لا نرضى بحكمك لأنك تريد أن تصغرنا بعداوتك فنزل: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } ثم صارت الآية عامة في جميع الناس في وجوب القصاص في النفس وفي الجراحات. قرأ عاصم وحمزة ونافع: { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } والحروف الست كلها بالنصب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر كلها بالنصب غير الجروح فإنهم يقرأونها بالضم على معنى الابتداء وقرأ الكسائي قرأ كلها بالضم إلا النفس. ثم قال: { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ } يعني عفى عن مظلمته في الدنيا وترك القصاص، { فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } قال القتبي: فهو كفارة للجارح وأجر للمجروح. وقال مجاهد: كفارة للجارح، وأجر للعافي. وقال بعضهم: هو كفارة للعافي أي يكفر الله تعالى عنه بعفوه بعض ما سلف من ذنوبه. ويقال: { كَفَّارَةٌ لَّهُ } أي للجارح يعني إذا ترك الولي حقه سقط القصاص عن الجارح. وروى محرر عن أبي هريرة عن رجل من الأنصار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من أصيب بشيء في جسده فتركه لله تعالى كانت كفارة له" . وقال الحسن: ينادي منادٍ يوم القيامة من كان له على الله أجر فليقم فلا يقوم إلا من قد عفى ثم قال: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } يعني يظلمون أنفسهم، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه فالذي عرض نفسه للعقوبة فقد وضع الشيء في غير موضعه. قوله تعالى: { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } يعني اتبعنا على أثر الرسل عيسى ابن مريم - عليه السلام - { مُصَدِّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يعني موافقاً لما قبله { مِنَ ٱلتَوْرَاةِ }. يقال: إن عيسى يصدق التوراة ثم قال: { وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى } من الضلالة { وَنُورٌ } يعني بيان الأحكام { وَمُصَدِّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } يعني الإنجيل موافقاً للتوراة في التوحيد وفي بعض الشرائع { وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } الذين يتقون الشرك والفواحش. ثم قال: { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنجِيلِ }. قرأ حمزة: (ولِيحكم) بكسر اللام ونصب الميم وقرأ الباقون: بالجزم فمن قرأ بالكسر فمعناه، وآتيناه الإنجيل لكي يحكم أهل الإنجيل { بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } ومن قرأ بالجزم فهو على الأمر والمراد به الخبر عن أمر سبق لهم، يعني أمرهم الله تعالى: أن يحكموا بما في الإنجيل. ثم قال: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } يعني في الإنجيل وكان - حكمهم العفو { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } يعني: العاصين.