التفاسير

< >
عرض

وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٢
لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
٦٣
وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ
٦٤
-المائدة

بحر العلوم

ثم قال: { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَـٰرِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ } يعني المعصية { وَٱلْعُدْوَانِ } يعني الظلم وهو الشرك { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } يعني الرشوة في الأحكام { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني لبئس ما كانوا يتزودون من دنياهم لآخرتهم. ثم قال: { لَوْلاَ يَنْهَـٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ } يعني هلا ينهاهم الربانيون يعني علماؤهم وعبادهم وإنما شكا من علماء السوء الذين لا يأمرون بالمعروف ويجالسونهم ويؤاكلونهم وكل عالم لم يأمر بالمعروف ويجالس أهل الظلم والمعصية فإنه يدخل في هذه الآية فقال: { وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } حين لم ينهوهم عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ورضوا بفعلهم.


قوله تعالى: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } وذلك أن الله تعالى قد بسط عليهم الرزق فلما عصوه وجحدوا نعمته قتر عليهم الرزق فقالوا عند ذلك: يد الله محبوسة عن البسط فأمسك عنا الرزق، قال الله تعالى: { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } يعني أمسكت أيديهم عن الخير ويقال: هذا وعيد لهم غلت أيديهم في نار جهنم. ويقال: جُعِلوا بخلاء فلا يعطون الناس شيئاً مما أعطاهم الله تعالى. ثم قال: { وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ } يعني عُذِّبوا وطُرِدوا من رحمة الله لقولهم ذلك، ثم قال: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } يعني رزقه واسع باسط على خلقه { يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء } يقول: يرزق لمن يشاء مقدار ما يشاء فله خزائن السموات والأرض وهذا كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم سأل كل رجل ما بلغت أمنيته فأعطيته لم ينقص ذلك من خزائن ملكي مقدار ما يغترف من البحر برأس إبرة واحدة" . ثم قال تعالى: { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم } يعني من اليهود { مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ } من القرآن { مِن رَّبّكَ طُغْيَـٰناً } يعني تمادياً بالمعصية { وَكُفْراً } وجحوداً بالقرآن، يعني كل ما نزل عليك شيء من القرآن كفروا به، فيزيد جحودهم في طغيانهم، وإنما نسب ذلك إلى ما أنزله، لأن ذلك سبب لطغيانهم وجحودهم وهذا كما قال في آية أُخرى: { { وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا } [الإسراء:82] يعني أن ذلك سبب لخسرانهم. ثم قال تعالى: { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يعني جعلهم الله مختلفين في دينهم متباغضين كما قال في آية أُخرى: { { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } [الحشر:14]. ثم قال: { كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } يقول: كلما أجمعوا أمرهم على المكر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فرقه الله تعالى وأطفأ نار مكرهم أي يسكته الله تعالى ووهن أمرهم وهذا على وجه الكناية كما قال: { { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلَـٰلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [الأعراف: 157] ثم قال: { وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } يعني يعملون فيها بالمعاصي ويدعون الناس إلى عبادة غير الله تعالى { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } يعني لا يرضى بعمل الذين يعملون بالمعاصي والله لا يحب أهل الفساد ولا عملهم.