التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ
٥٣
وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٤
-الأنعام

بحر العلوم

ثم قال: { وَكذلِكَ فَتَنَّا } يقول: هكذا ابتلينا { بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } يعني الشريف بالوضيع والعربي بالمولى والغني بالفقير { لّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا } فلم يكن الاختبار لأجل أن يقولوا ذلك ولكن كان الاختبار سبباً لقولهم. وهكذا قوله تعالى: { فَٱلْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8] فلم يأخذوه لأجل ذلك ولكن كان أخذهم سبباً لذلك فكأنهم أخذوه لأجل ذلك ها هنا. ما كان الاختبار لأجل أن يقولوا هؤلاء من الله عليهم من بيننا لأنهم كانوا يقولون: لو كان خيراً ما سبقونا إليه ومعناه: ليظهر الذين يقولون: هؤلاء من الله عليهم من بيننا. قال الله تعالى: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ }. يعني بالموحدين منكم من غيرهم. قال الكلبي: فلما نزلت هذه الآية جاء عمر - رضي الله عنه - فاعتذر فنزلت هذه الآية: { وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـآيَـٰتِنَا } يعني عمر { فَقُلْ: سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } يعني قبلتُ توبتكم. ويقال: قبل الله عذركم ويقال: المعنى { وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـآيَـٰتِنَا } يعني الضعفة من المسلمين فابتدىء بالسلام وقل: سلام عليكم { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } يعني أوجب الرحمة وقبول التوبة { أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءَاً بِجَهَالَةٍ } يعني من ركب معصية وهو جاهل بركوبها وإن كان يعلم أنها معصية { ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ } بعد السوء { وَأَصْلَحَ } العمل { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (غفور) يعني متجاوز للذنوب (رحيم) حين قبل التوبة. ويقال: معناه من عمل منكم سوءاً ثم تاب يغفر له، فكيف من كان قصده الخير فهو أولى بالرحمة. وروى سفيان عن مجمع عن ماهان الحنفي قال: جاء قوم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أصابوا ذنوباً عظاماً فأعرض عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل: { وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـآيَـٰتِنَا فَقُلْ: سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ }. قرأ عاصم وابن عامر (أنّه من عمل): بنصب الألف فإنه غفور بالنصب على معنى البناء، ومعناه: كتب أنه. وقرأ نافع: (أنه) بالنصب على معنى البناء (فإنه) بالكسر على معنى الابتداء. وقرأ الباقون: كلاهما بالكسر على معنى الابتداء.