التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ
٤٠
لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٤١
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٤٢
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٤٣
-الأعراف

بحر العلوم

قوله عز وجل: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَا } أي بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا } يعني استكبروا عن قبولها، ويقال عن النظر فيها { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوٰبُ ٱلسَّمَاء } لأعمال الكفار أي ليس لهم عمل صالح يفتح لهم أبواب السماء، ويقال: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء إذا ماتوا. وقال بعضهم: أبواب السماء أي: أبواب الجنة. { وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } أي: لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يدخل الجمل في ثقب الإبرة وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن الجمل فقال زوج الناقة، وقال الضحاك الجمل الذي له أربع قوائم. وقال بعض الناس: الجمل هو أشتر بالفارسية. وقال الحسن هو ولد الناقة. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ حَتَّى يَلِجَ الجُمَّل بضم الجيم وتشديد الميم وهو حبل السفينة الغليظ، وسئل عكرمة عن قوله: حتى يلج الجمل. قيل وما الجمل؟ قال الحبل الذي يصعد به النخل. قال سعيد بن جبير: هو حبل السفينة الغليظ. قرأ أبو عمرو لا تُفْتَحْ بالياء بلفظ التذكير بالتخفيف وقرأ الباقون بالتاء المشددة. فمن قرأ بالتأنيث فلأنها من جماعة الأبواب، ومن قرأ بالتذكير فلأن الفعل مقدم، ومن قرأ بالتشديد أراد به تكثير الفتح ومن قرأ بالتخفيف فتفتح مرة واحدة. وقرأ بعضهم في سُمِّ بضم السين وهي قراءة شاذة وهما لغتان. قال أبو عبيدة: كل ثقب فهو سم. ثم قال عز وجل { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُجْرِمِينَ } أي: هكذا نعاقب المشركين. ثم ذكر ما أوعدهم في النار فقال عز وجل { لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ } أي: فراش من النار { وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } أي: مُغشاهم النار من فوق رؤسهم، ومعناه أن من تحتهم ناراً ومن فوقهم ناراً. كقوله: { { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [الزمر: 16] ويقال لهم من جهنم مهاد أي: حظهم من جهنم كالمهاد، فأخبر عن ضيق مكانهم في النار { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ } نعاقب الكافرين. قوله عز وجل: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } وذلك أن الله تعالى لما أخبر عن حال الذين كذبوا بآياته واستكبروا عن قبولها أخبر عن حال الذين آمنوا بآياته فقال { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } أي: صدقوا وعملوا الصالحات أي الطاعات والأعمال الصالحة { لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } أي: لا نكلف نفساً بعد الإيمان من العمل إلا بقدر طاقتها { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } يعني دائمون، ثم قال عز وجل { وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلٍّ } قال بعضهم أي: في الدنيا أخرج الله تعالى الغل والحسد من قلوبهم وألف بين قلوبهم كما قال الله تعالى { { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } [الأنفال: 63] ويقال هذا في الجنة يخرج الغل والحسد من قلوبهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعليّ ونحوهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن تابعهم على سنتهم ومنهاجهم إلى يوم القيامة. وقال عليّ بن أبي طالب لعمران بن طلحة بن عبيد الله: أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله تعالى فيهم: { وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ }. فأنكر عليه بعضهم. فقال عليّ إن لم نكن نحن فمن هم؟ يعني إن الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في قلوبهم من الغل حتى ينزع عنهم. { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ } أي: من تحت غرفهم وقصورهم وأشجارهم الأنهار { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا } أي: أكرمنا بهذه الكرامة، ويقال إن الذي وفقنا للأمر الذي أوجب لنا هذا الثواب وهو الإسلام، ويقال هدانا لهاتين العينين، وذلك أن أهل الجنة لما انتهوا إلى باب الجنة فإذا هم بشجرة تنبع من ساقها عينان فيعمدون إلى إحداهما فيشربون منها فيخرج الله تعالى ما كان في أجوافهم من غل وقذر، فذلك قوله تعالى { وَسَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [الإنسان: 21] ثم يعمدون إلى الأُخرى فيغتسلون فيها فيطيب الله تعالى أجسادهم من كل درن وحسد. وجرت عليهم نضرة ولا تشعث رؤوسهم ولا تغبر وجوههم ولا تشحب أجسادهم أبداً، تتلقاهم خزنة الجنة فينادون في التقديم أي قبل أن يدخلوها أنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، فقالوا بعد ما اغتسلوا من العينين الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا أي: وفقنا حتى اغتسلنا من هاتين العينين. ويقال لما دخلوا الجنة ونظروا إلى كراماتها { وَقَالُوا ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا } يعني لهذا الثواب. { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } أي: ما كنا لولا أن وفقنا الله، ذلك أنهم علموا أن الله تعالى له عليهم المن والفضل فيما أعطاهم. قرأ إبن عامر مَا كُنَّا لِنَهْتَدِى بغير واو على الاستئناف وقرأ الباقون والواو وعلى معنى العطف. { لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } يعني جاءت رسل ربنا بالحق فصدقناهم { وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ } قال بعضهم: قبل أن يدخلوها قال لهم خزنة الجنة تلكم الجنة (التي وعدتم ويقال بعد ما دخلوا بها يقال لهم تلك الجنة أي هذه الجنة التي) { أُورِثْتُمُوهَا } يعني أنزلتموها بإيمانكم واقتبستموها { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } في دار الدنيا، وهذا كما روي في الخبر: إنه يقال لهم يوم القيامة "جوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم" .