التفاسير

< >
عرض

فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٧
ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ
١٨
إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ
٢٠
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ
٢١
-الأنفال

بحر العلوم

{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } وذلك أن المسلمين كانوا يقولون قتلنا فلاناً وقتلنا فلاناً. فأراد الله تعالى أن لا يعجبوا بأنفسهم فقال: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } يقول فما قتلتموهم { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } يعني الله تعالى نصركم عليهم وأمدكم بالملائكة { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } يعني الله تعالى تولى ذلك وذلك حين رمى النبي عليه السلام قبضة من التراب فملأ الله تعالى أعينهم بها فانهزموا. قال الله تعالى { وَمَا رَمَيْتَ } يعني: لم تصب رميتك ولم تبلغ ذلك المبلغ { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } تعالى: تولى ذلك ويقال: رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد بالحربة فأصاب أبي بن خلف الجمحي فقتله. قرأ حمزة والكسائي وَلَكِنِ اللهُ رمى بكسر النون والتخفيف واللهُ بالضم وكذلك في قوله ولكِنِ اللهُ قتلهم. وقرأ الباقون بنصب النون مع التشديد ونصب ما بعده { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ }. ثم قال: { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً } يعني لينصرهم نصراً جميلاً ويختبرهم بالتي هي أحسن، ويقال ولينعم المؤمنين نعمة بينة { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يعني سميع لدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليم بإجابته. { ذٰلِكُمْ } أي: الهلاك والهزيمة للكفار، ويقال معناه الأمر من ربكم. ثم إبتدأ فقال: { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } يعني مضعف كيد الكافرين يعني: صنيع الكافرين ببدر. قرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو مُوَهِّنُ كَيْدَ الكافرين بنصب الواو والتشديد منونة. كَيْدَ بنصب الدال وقرأ عاصم في رواية حفص مُوهِنُ كَيْدَ بضم النون بغير تنوين، كَيْدِ بكسر الدال على معنى الإضافة. وقرأ الباقون مُوهِنٌ كَيْدَ: بالتنوين والتخفيف كَيْدَ بالنصب فالمُوهِنُ والمُوهَنُ واحد، ويقال وهنت الشيء وأوهنته إذا جعلته واهناً ضعيفاً. ثم قال تعالى: { إِنْ تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ } يقول إن تستنصروا فقد نصركم الله حين قلتم، وذلك أن أبا جهل بن هشام قال: اللهم انصر أحب الدينين وأحب الجندين وأحب الفئتين إليك، فاستجيب دعاؤه على نفسه وعلى أصحابه. ثم قال: { وَإِن تَنتَهُواْ } عن قتاله { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } من قتاله ويقال إن أهل مكة حين أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم أي الفئتين أحب إليك فانصرهم فنزل إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا عن قتال محمد - صلى الله عليه وسلم - وعن الكفر { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } من الإقامة عليه { وَإِن تَعُودُواْ } لقتال محمد - صلى الله عليه وسلم - { نَعُدْ } على القتل والأسر والهزيمة { وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئتُكُمْ } يعني جماعتكم { شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ } في العدد { وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني معين لهم وناصرهم قرأ نافع وابن عامر وعاصم في إحدى الروايتين وَأَنَّ اللَّهَ بالنصب. والباقون بالكسر (وَإِنَّ ٱللَّهَ) على معنى الاستئناف ويشهد لها قراء عبد الله بن مسعود واللهُ مع المؤمنين ثم قال تعالى { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في أمر الغنيمة والصلح { وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ } يعني لا تعرضوا عن أمره، ويقال عن طاعته، ويقال عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ } المواعظ في القرآن وفي أمر الصلح، قوله تعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } يعني لم يفهموا ولم يتفكروا فيما سمعوا، ويقال قوله: ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا يعني: وهم لا يسمعون يعني: لا يطيعون. قال الكلبي وهم بنو عبد الدار لم يسلم منهم إلا رجلان، مصعب بن عمير وسويد بن حرملة، وقال الضحاك ومقاتل: أي سمعنا الإيمان وهم لا يسمعون يعني: المنافقين ثم قال تعالى: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ... }