التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
١
إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٢
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣
أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٤
-الأنفال

بحر العلوم

قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ } يعني الغنائم واحدها غنيمة نفل، وكذلك قال لبيد:

إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله رَيْثي والعَجَلْ

قال ابن عباس: عن صلة في الكلام وإنّما هو يسألونك الأنفال أي: الغنائِم ويقال فيه تقديم ومعناه يسألون عنك الأنفال، ويقال: يسألونك لمن الأنفال؟ يقال: إنما سألوا عنها لأنها كانت محرمة من قبل فسألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ } يعني الغنائم. قال الفقيه: حدثنا أبو الفضل بن أبي حفص قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا سعيد بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقي العدو فلما هزمهم الله تعالى أتبعهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستولت طائفة بالعسكر والنهب، فقال الذين طلبوهم نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم الله تعالى وهزمهم فلنا النفل. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال العدو منه غرة فهو لنا، وقال الذين استولوا على العسكر والنهبة والله ما أنتم بأحق منا بل هو لنا نحن حويناه واستوليناه. فأنزل الله تعالى يسألونك عن الأنفال { قُلِ ٱلانفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بينهم عن فواق أي: عن سواء وروى أسباط عن السدي قال: كانت الأنفال لله ورسوله فنسخ بقوله { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال: 41] وعن عكرمة ومجاهد مثل قوله تعالى { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } يعني: اخشوا الله وأطيعوه في أمر الغنيمة وأصلحوا ذات بينكم أي: ما بينكم من الاختلاف في الغنيمة { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني: في أمر الصلح والغنيمة { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } يعني: إن كنتم صادقين ويقال معناه اتركوا المراء في أمر الغنيمة بأن كنتم مصدقين ثم نعت المؤمنين المصدقين فقال عز وجل: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } ويقال إنما المصدقون الذين إذا أمروا بأمر في الغنيمة وغيرها من قبل الله عز وجل خافت قلوبهم، ويقال إنما المصدقون الذين إذا ذكر الله أي ذكر عندهم أمر الله، ويقال إذا أمروا بأمر من الله تعالى وجلت قلوبهم يعني قبلت قلوبهم فسمي قبول القلوب وجلاً لأن بالوجل يثبت القبول. لأنهم وجلوا عقوبة الله تعالى فقبلوه. ثم قال: { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ } يعني: قرئت عليهم آياته بالأمر والنهي في أمر الصلح أو غيره { زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } أي تصديقاً ويقيناً. وقال الضحاك: يعني زادتهم يقيناً بحكم الناسخ مع تصديقهم بحكم المنسوخ. وقال الزجاج: تأويل "الإيمان" التصديق، فكل ما يتلى عليهم من عند الله صدقوا به فزادهم تصديقاً، فذلك زيادة إيمانهم، وروي عن ابن عباس أنه قال: زادتهم تصديقاً بالفرائض مع تصديقهم بالله { وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }، يعني يفوضون أمرهم إلى الله تعالى ويثقون به ولا يثقون بما في أيديهم من الغنائم ويعلمون أن الله هو رازقهم قال الله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ } يعني: يتمونها في مواقيتها بركوعها وسجودها { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } يعني: يتصدقون مما أعطيناهم من الأموال وينفقونها في طاعة الله قوله تعالى { أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } يعني: أهل هذه الصفة هم المؤمنون الموحدون صدقاً، وهم المصدقون { لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبّهِمْ } يعني: فضائل عند ربهم في الآخرة، ويقال لهم منازل في الرفعة على قدر أعمالهم { وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } مغفرة لذنوبهم وثواب حسن في الجنة، ويقال الفتوح والغنيمة. قال ابن عباس: المؤمن مؤمن حقاً والكافر كافر حقاً (في قوله هم المؤمنون حقاً قال:) قوله تعالى: { كَمَآ أَخْرَجَكَ... }