التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٧٠
-الأنفال

بحر العلوم

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ ٱلأسْرَىٰ } .. قرأ أبو عمرو من الأسارى بالضم وزيادة الألف وقرأ الباقون الأسرى بالنصب بغير الألف... فمن قرأ الأسرى فهو جمع الأسير يقال أسير وأسرى مثل جريح وجرحى ومريض ومرضى وقتيل وقتلى من قرأ الأسارى فهو جمع الجمع ويقال هما لغتان بمعنى واحد وذلك "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وضع الفداء على كل إنسان من الأسارى أربعين أوقية من الذهب فكان مع العباس عشرون أوقية من ذهب فأخذها منه ولم يحسبها من فدائه وكان قد خرج بها معه ليطعم بها أهل بدر من المشركين لأنه أحد الثلاثة عشر الذين ضمنوا أطعام أهل بدر وقد جاءت نوبته فأراد أن يطعمهم فاقتتلوا يومئذ فلم يطعمهم حتى أخذ وأخذ ما معه فكلم العباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل العشرين أوقية من فدائه فأبى عليه وقال هذا شيء خرجت لتستعين به علينا فلا نتركه لك فوضع عليه فدائه وفدى ابن أخيه عقيل فقال العباس تترك عمك يسأل الناس بكفه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أين الذهب الذي أعطيت لأم الفضل وقلت لها كيت وكيت فقال له من أعلمك بهذا يا ابن أخي قال الله أخبرني" . فأسلم العباس وأمر ابن أخيه أن يسلم فنزل قل لمن في أيديكم من الأسارى يعني: العباس وابن أخيه. { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } يعني معرفة وصدقاً وإيماناً كقوله { { لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً } [هود: 31] أي إيماناً { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } يعني يعطيكم في الدنيا أفضل مما أخذ منكم من الفداء { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ذنوبكم. { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لما كان منكم في الشرك { رَّحِيمٌ } بكم في الإسلام روى سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال "بعث العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البحرين بثمانين ألفاً ما آتاه من مال أكثر منه لا قبل ولا بعد قال فنثرت على حصير ونودي بالصلاة فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمثل على المال قائماً، وجاء أهل المسجد فما كان يومئذ عدد ولا وزن ما كان إلا فيضاً. قال فجاء العباس فقال يا رسول الله أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر، ولم يكن لعقيل مال فأعطني من هذا المال. قال خذ من هذا المال. قال فجثا في خميصته وهب فأراد أن يقوم فلم يستطع فرفع رأسه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ارفع عَلَيَّ. فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أعد من المال طائفة وقم بما تطيق" قال ففعل. فجعل العباس يقول وهو منطلق أما إحدى اللتين وعدنا الله تعالى فقد أنجزها فلا ندري ما يصنع في الأُخرى وهو قوله { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. وعن أبي صالح أنه قال: رأيت للعباس بن عبد المطلب عشرين عبداً كل واحد منهم يتجر بعشرة آلاف. قال العباس أنجزني الله أحد الوعدين فأرجو أن ينجز الوعد الثاني. ويقال يؤتكم خيراً مما أخذ منكم يعني الجنة. قوله تعالى: { وَإِن يُرِيدُواْ... }