التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
١١٣
وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ
١١٤
-التوبة

بحر العلوم

قوله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني ما ينبغي وما جاز للنبي والذين آمنوا { أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ }. وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان (فقلت له أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال ألم يستغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان؟ فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزل { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } { وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَىٰ } يعني ذا قرابة في الرحم { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ } يعني أهل النار وماتوا على الكفر وهم في النار. ويقال أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر لأبويه وهما مشركان واستأذن منه المسلمون أن يستغفروا لآبائهم فنهاهم الله عن ذلك وقال { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ }. وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرجنا معه حتى انتهينا إلى قبر فجلس إليه فناجاه طويلاً ثم رفع رأسه باكياً فبكينا لبكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل إلينا فتلقاه عمر رضي الله عنه وقال ما الذي أبكاك يا رسول الله؟ فأخذ بيد عمر وأقبل إلينا فأتيناه فقال أفزعكم بكائي؟ فقلنا نعم يا رسول الله فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب بن عبد مناف وإني استأذنت ربي بالاستغفار لها فلم يأذن لي. فأنزل الله { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ.. } فأخذني ما يأخذ الولد للوالدين من الرقَة. فذلك الذي أبكاني" . وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "استأذنت ربي أن استغفر لوالدي فلم يأذن لي. واستأذنته أن أزور قبرهما فأذن لي" . فنزلت هذه الآية. ثم قال عز وجل { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرٰهِيمَ لأِبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } وذلك أن أباه وعده أن يسلم وكان يستغفر له رجاء أن يسلم. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، { فَلَمَّا } مات { تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ، تَبَرَّأَ مِنْهُ }، يعني ترك الدعاء له ولم يستغفر له بعد ما مات على الكفر. وللآية [هذه] وجه آخر. روي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب بن حرب قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب يا عم قل لا إله إلا الله كلمة النجاة أشهد لك بها عند الله تعالى، فقال أبو جهل أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ويعانده أبو جهل بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنه" . فأنزل الله تعالى { { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ } [القصص: 56] ونزل { مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الآية. وفي قوله تعالى { إِنَّ إِبْرٰهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كل القرآن أعلمه إلا أربعة، غسلين وحناناً والأواه والرقيم. وروي عن عبد الله بن عباس في رواية أُخرى أنه قال: الأواه الذي يذكر الله في الأرض الوحشية. وروي عن ابن مسعود أنه قال الأواه الرحيم. وقال مجاهد: الموقن وقال الضحاك الداعي الذي يلح إلى الله تعالى المقبل إليه بطاعته. ويقال المؤمن بلغة (الحبش) ويقال الأواه معلم الخير. وقال كعب الأواه الذي إذا ذكر والله قال أواه من النار. وقال القتبي: المتأوه حزناً وخوفاً. (حليم) يعني عن الجهل.