التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١٥
إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١١٦
لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١١٧
-التوبة

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنزل الله تعالى عليه الفرائض ففعل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون. ثم إن الله تعالى أنزل ما ينسخ الأمر الأول، وقد غاب الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يبلغهم ذلك (فعملوا) بالمنسوخ وكانوا يصلون إلى القبلة الأولى ولا يعلمون ويشربون الخمر ولا يعلمون تحريمها فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } وإن عملوا بالمنسوخ { حَتَّىٰ يُبَيّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } يعني ما نسخ من القرآن. يعني إنه قبل منهم ما عملوا بعد النسخ ولا يؤاخذهم بذلك. ويقال وما كان الله ليهلك قوماً حتى يقيم عليهم الحجة، ويقال ليُعَذِّبَهُمْ في الآخرة، يعني يبين لهم ما يتقون. ويقال لا يتركهم بلا بيان بعد أن أكرمهم بالإيمان حتى يبين لهم ما يحتاجون، ويقال لا ينزع الإيمان عنهم بعد أن هداهم إلى الإيمان حتى يبين لهم الحدود والفرائض فإذا تركوا ذلك ولم يروه حقاً عذبهم الله تعالى ونزع عنهم المعرفة ويقال { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً } على الإبتداء { حَتَّىٰ يُبَيّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } فيصيروا فيه ضلالاً. وهذا طريق المعتزلة والطريق الأول أصح وبه نأخذ ثم قال { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } يعني عليم بكل ما يصلح للخلق ثم قال { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } يعني يحكم فيهما بما يشاء من الأمر بعد الأمر. يأمر بأمر ثم بغيره ما يشاء { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } يعني يحيي الموتى ويميت الأحياء { وَمَا لَكُم مّن دُونِ ٱللَّهِ } يعني من عذاب الله تعالى { مِن وَلِىّ } يعني من قريب ينفعكم { وَلاَ نَصِيرٍ } يعني مانعاً يمنعكم. وقال الكلبي: يحيي ويميت يعني في السفر ويميت في الحضر يعني إن هذا ترغيب في الجهاد لكي لا يمتنعوا مخافة القتل. قوله تعالى: { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ } أي تجاوز عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذنه للمنافقين بالتخلف. كقوله { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [التوبة: 43] ويقال: لقد تاب الله على النبي يعني غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. كما ذكر في أول سورة الفتح. ثم قال { وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنصَـٰرِ } يعني تجاوز عنهم (ذنوبهم) لما أصابهم من الشدة في ذلك الطريق ثم نعتهم فقال { ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } يعني وقت الشدة في غزوة تبوك. كانت لهم العسرة في أربعة أشياء، عسرة النفقة والركوب والحر والخوف { مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ } يعني تميل قلوب طائفة منهم عن الخروج إلى الغزو. ويقال من بعد ما كادوا أن يرجعوا من غزوتهم من الشدة. ويقال هم قوم تخلفوا عنه ثم خرجوا فأدركوه في الطريق { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } يعني تجاوز عنهم { إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ } حين تاب عليهم. قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص "يَزِيغُ قُلُوبُ" بالياء بلفظ المذكر والباقون بالتاء بلفظ التأنيث. والتأنيث إذا لم يكن حقيقياً جاز التذكير والتأنيث لأن الفعل مقدم فيجوز التذكير والتأنيث.