التفاسير

< >
عرض

وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٥
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٦
-التوبة

بحر العلوم

{ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } يعني: حقد قلوب خزاعة. وروى مصعب بن سعد عن أبيه قال لما كان يوم فتح مكة آمن الناس إلا ستة ونفر عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن أخطل ومقيس بن ضبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح وامرأتين. فقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة. وروى عبد الله بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله - عليه السلام - حين سار إلى مكة ذكر إلى أن قال دخل صناديد قريش من المشركين إلى الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم. فطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبيت فصلى ركعتين ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: ما تقولون وما تظنون؟ قالوا نقول أخ كريم وابن عم حليم رحيم. قال أقول كما قال يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" قال فخرجوا كأنما نشروا من القبور ودخلوا في الإسلام، "وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الباب الذي يلي الصفا فخطب والأنصار أسفل منه، فقالت الأنصار بعضهم لبعض أما إن الرجل أخذته الرأفة بقومه وأدركته الرغبة في قرابته، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقلتم كذا وكذا؟ والله إني رسول الله حقاً، إن المحيا لمحياكم وإن الممات لمماتكم فقالوا يا رسول الله قلنا مخافة أن تفارقنا ضناً بك. قال أنتم الصادقون عند الله وعند رسوله" قال الله تعالى{ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاء } يعني من أهل مكة يهديهم الله لدينه { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بمن يؤمن من خلقه { حَكِيمٌ } في أمره. قوله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } وذلك أنه لما أمرهم الله تعالى بالقتال شق ذلك على بعض المؤمنين. فنزل قوله { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } يعني أظننتم أن تتركوا على الإيمان أيها المؤمنون ولا تبتلوا بالقتال ولا تؤمروا به { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ } يعني لم يميز الذين جاهدوا منكم من الذين لم يجاهدوا، وقد كان يعلم الله تعالى ذلك منهم قبل أن يجاهدوا وقبل أن يخلقهم، ولكن كان علمه علم الغيب ولا يستوجبون الجنة والثواب بذلك العلم وإنما يستوجبون الثواب والعقاب بما يظهر منهم من الجهاد. ويقال معناه أظننتم أن تدخلوا الجنة بغير جهاد وبغير تعب النفس. وهكذا قال في آية أُخرى { { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } [البقرة: 214] وكما قال في رواية أُخرى { { الۤـمۤ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ } [العنكبوت: 2] الآية. ثم قال { وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ } يعني: لم يتخذوا من دون الله تعالى ولا رسوله يعني ولا من دون رسوله { وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني: ويميز الذين لا يتخذون ولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، يميزهم من غيرهم { وَلِيجَةً } يعني: بطانة من غير أهل دينه يفشي إليه سره. وقال الزجاج: الوليجة البطانة وهي مأخوذة من ولج الشيء إذا دخل، يعني: ولم يتخذوا بينهم وبين أهل الكفر خُلَّةً ومودة، ويقال نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب ألى أهل مكة يخبرهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد الخروج إليهم، وأراد بذلك مودة أهل مكة، وفيه نزلت يا ايها الذين آمنوا { { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ } [الممتحنة: 1] الآية ثم قال تعالى { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } يعني من الخير والشر والجهاد والتخلف ومودة أهل الكفر. قوله تعالى: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ... }