التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ
١٧
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ
١٨
-التوبة

بحر العلوم

{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ }. قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي مَسَاجِدَ بلفظ الجماعة وكذلك الثاني يعني جميع المساجد. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الأول مَسْجِدَ بغير ألف والثاني بألف. وروي عن ابن كثير كلاهما بغير ألف، يعني المسجد الحرام. ومن قرأ مساجد أيضاً يجوز أن يحمل على المسجد الحرام لأنه يذكر المساجد ويراد به مسجد واحد كما قال: { { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ } [المؤمنون: 51] يعني به النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال تعالى: { شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ } يعني ما كانت لهم عمارة المسجد في حال إقرارهم بالكفر، يعني لا ثواب لهم بغير إيمان { أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } يعني بطل ثواب أعمالهم، ويقال شاهدين على أنفسهم يعني كلامهم يشهد عليهم بالكفر { وَفِى ٱلنَّارِ هُمْ خَـٰلِدُونَ } يعني يكونون في النار هم خالدين، ويقال شاهدين عليهم يوم القيامة، فلا ينفعهم عمارة المسجد بغير إيمان. وروى أسباط عن السدي في قوله شاهدين على أنفسهم بالكفر أنه قال: يسأل النصراني ما أنت؟ فيقول نصراني. ويسأل اليهودي ما أنت؟ فيقول يهودي، ويسأل المشرك ما أنت؟ فيقول مشرك. فذلك قوله تعالى: { شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ }. ويقال هذه الآية نزلت في شأن العباس حين أُسِر يوم بدر فأقبل عليه نفر من المهاجرين وعيروه بقتال النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقطيعة الرحم. فقال العباس مالكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا؟ فقال له عليُّ فهل لكم من المحاسن شيء؟ فقال نعم إنا نعمر المسجد الحرام ونحج الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني ونفادي الأسير ونؤمن الخائف ونقري الضيف. فنزل { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ } إلى قوله { أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ وَفِى ٱلنَّارِ هُمْ خَـٰلِدُونَ } قوله تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ } يعني صدق بوحدانية الله تعالى { وَٱلْيَوْمِ ٱلأخِرِ } يعني آمن بالبعث بعد الموت، لأن عمارة المسجد بإقامة الجماعات وهم كانوا لا يقيمون الصلاة. فلم يكن ذلك عمارة المسجد فذلك قوله { وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ } يعني يداوم على الصلوات الخمس ويقيمها بركوعها وسجودها في مواقيتها { وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ } المفروضة { وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ } يعني ولم يوحد إلا الله ولم يعبد غيره { فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } يعني: أُولئك هم المهتدون لدينه ولهم ثواب أعمالهم. قوله تعالى: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ... }