التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦٠
-التوبة

بحر العلوم

{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ } يعني ليست الصدقات للذين يلمزونك في الصدّقات وإِنّما الصدقات { لِلْفُقَرَاء وَٱلْمَسَـٰكِينِ } قال بعضهم الفقراء الضعفاء الأحوال الذين لهم بلغة من العيش بدليل قول الشاعر

أما الفقير الذي كانت حَلُوبَتُه وَفْقَ العِيال فلم يُترك له سَهَدُ

والمسكين الذي لا شيء له بدليل قول الله تعالى { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } [البلد: 16] يعني الذي لم يكن بينه وبين التراب شيء يقيه منه. وقال بعضهم الفقير الذي لا شيء له والمسكين الذي له أدنى شيء. كما قال الله تعالى { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَـٰكِينَ } } [الكهف: 79] سماهم مساكين وإن لهم سفينة. وقال بعضهم: الفقير الذي لا يسأل الناس إلحافاً. كما قال الله تعالى { { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } إلى قوله { { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } [البقرة: 273] والمسكين الذي يسأل الناس. وقال بعضهم الفقير الذي يسأل الناس والمسكين الذي لا يسأل الناس كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ليس المسكين الذي يطوف على أبوابكم فتردونه باللقمة واللقمتين وإنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه" . وقال قتادة، الفقير الذي به زمانة والمسكين الصحيح المحتاج. وقال بعضهم الفقير الذي يكون عليه زي الفقر ولا تعرف حاجته والمسكين الذي يكون عليه زي الفقر وتكون حاجته ظاهرة ثم قال: { وَٱلْعَـٰمِلِينَ عَلَيْهَا } وهم السعاة الذين يجبون الصدقات فيعطون على قدر حاجتهم { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } وهم قوم كان يعطيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتألفهم بالصدقات على الإسلام وكانوا رؤساء في كل قبيلة، منهم أبو سفيان بن حرب والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن الفزاري وعباس بن مرداس السلمي وصفوان بن أمية وغيرهم. فلما توفي رسول الله - عليه السلام - جاؤوا إلى أبي بكر وطلبوا منه، فكتب لهم كتاباً فجاؤوا بالكتاب إلى عمر بن الخطاب ليشهدوه. فقال أي شيء هذا؟ فقالوا سهمنا. فأخذ عمر الكتاب ومزقه وقال إنما كان يعطيكم النبي - عليه السلام - يتألفكم على الإسلام. فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف، فرجعوا إلى أبي بكر. فقالوا أنت الخليفة أم هو؟ قال: هو إن شاء. فبطل سهمهم ثم قال { وَفِي ٱلرّقَابِ } أي: وفي فك الرقاب وهم المكاتبون ثم قال { وَٱلْغَـٰرِمِينَ } يعني: أصحاب الديون الذين استدانوا في غير فساد ولا تبذير. وقال مجاهد ثلاثة من الغارمين رجل ذهب السيل بماله ورجل أصابه حريق فهلك ماله ورجل ليس له مال وله عيال فهو يستدين وينفق على عياله. { وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } وهم الذين يخرجون إلى الجهاد { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } يعني المسافر المنقطع من ماله. قال بعضهم وجب أن يقسم الصدقات على ثمانية أصناف وهو قول الشافعي كما بين في هذه الآية. وقال أصحابنا إذا صرف الصدقات إلى صنف من هذه الأصناف جاز وروي عن حذيفة بن اليمان أنه قال إذا اعطى الرجل الصدقة صنفاً واحداً من الأصناف الثمانية جاز. وعن عبد الله بن عباس أنه قال إذا وضعتها في صنف واحد فحسبك. إنّما قال: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ } لأن لا تجعلها في غير هذه الأصناف. وعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه أتي بصدقة فبعث بها إلى أهل بيت واحد. ثم قال تعالى: { فَرِيضَةً مّنَ ٱللَّهِ } يعني وضع الصدقات في هذه المواضع فريضة من الله وهو مما أمر الله تعالى { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بأهلها { حَكِيمٌ } حكم قسمتها وبينها لأهلها. قوله تعالى: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ... }