قوله عز وجل: { ولما جاءَت رُسُلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذراعاً } قال ابن
عباس: ساء ظنه بقومه وضاق ذرعاً بأضيافه.
ويحتمل وجهاً آخر أنه ساء ظنه برسل ربه، وضاق ذراعاً بخلاص نفسه لأنه
نكرهم قبل معرفتهم.
{ وقال هذا يومٌ عصيب } أي شديد لأنه خاف على الرسل من قومه أن
يفضحوهم على قول ابن عباس، وعلى الاحتمال الذي ذكرته خافهم على نفسه
فوصف يومه بالعصيب وهو الشديد، قال الشاعر:
وإنك إلاّ ترض بكر بن وائل يكن لك يومٌ بالعراق عصيب.
قال أبو عبيدة: وإنما قيل له عصيب لأنه يعصب الناس بالشر، قال الكلبي:
كان بين قرية إبراهيم وقف لوط أربعة فراسخ.
قوله عز وجل: { وجاءه قومُه يهرعون إليه } أي يسرعون، والإهراع بين الهرولة
والحجزى. قال الكسائي والفراء: لا يكون الإهراع إلا سراعاً مع رعدة.
وكان سبب إسراعهم إليه أن أمرأة لوط أعلمتهم بأضيافه وجَمالهم فأسرعوا
إليه طلباً للفاحشة منهم.
{ ومن قبل كانوا يعملون السيئات } فيه وجهان:
أحدهما: من قبل إسراعهم اليه كان ينكحون الذكور، قاله السدي.
الثاني: أنه كانت اللوطية في قوم لوط في النساء قبل الرجال بأربعين سنة، قاله
عمر بن أبي زائدة.
{ قال يا قوم هؤلاء بناتي هُنَّ أطهر لكم } قال لهم لوط ذلك ليفتدي أضيافه
منهم.
{ هؤلاء بناتي } فيهن قولان:
أحدهما: أنه أراد نساء أمته ولم يرد بنات نفسه. قال مجاهد وكل نبي أبو أمّته
وهم أولاده. وقال سعيد بن جبير: كان في بعض القرآن: النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأزاجه أمهاتهم وهوأب لهم.
الثاني: أنه أراد بنات نفسه وأولاد صلبه لأن أمره فيهن أنفذ من أمره في
غيرهن، وهو معنى قول حذيفة بن اليمان.
فإن قيل: كيف يزوجهم ببناته مع كفر قومه وإيمان بناته؟
قيل عن هذا ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه كان في شريعة لوط يجوز تزويج الكافر بالمؤمنة، وكان هذا في
صدر الإسلام جائزاً حتى نسخ، قاله الحسن.
الثاني: أنه يزوجهم على شرط الإيمان كما هو مشروط بعقد النكاح.
الثالث: أنه قال ذلك ترغيباً في الحلال وتنبيهاً على المباح ودفعاً للبادرة من غير
بذل نكاحهن ولا بخطبتهن، قاله ابن أبي نجيح.
{ هن أطهر لكم } أي أحل لكم بالنكاح الصحيح.
{ فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تذلوني بعار الفضيحة، ويكون الخزي بمعنى الذل.
الثاني: لا تهلكوني بعواقب فسادكم، ويكون الخزي بمعنى الهلاك.
الثالث: أن معنى الخزي ها هنا الاستحياء، يقال خزي الرجل إذا استحى،
قال الشاعر:
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقتبها مِرطها أو زايل الحلي جيدها
والضيف: الزائر المسترقد، ينطلق على الواحد والجماعة، قال الشاعر:
لا تعدمي الدهر شفار الجازر للضيف والضيف أحق زائر
{ أليس منكم رجلٌ رشيد } فيه وجهان:
أحدهما: أي مؤمن، قاله ابن عباس.
الثاني: آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، قاله أبو مالك.
ويعني: رجل رشيد ليدفع عن أضيافه، وقال ذلك تعجباً من اجتماعهم على
المنكر.
قوله عز وجل: { قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق } فيه وجهان:
أحدهما: ما لنا فيهن حاجة، قاله الكلبي.
الثاني: ليس لنا بأزواج، قاله محمد بن إٍسحاق.
{ وإنك لتعلم ما نريد } فيه وجهان:
أحدهما: تعلم أننا لا نتزوج إلا بامرأة واحدة وليس منا رجل إلا له امرأة، قاله
الكلبي.
الثاني: أننا نريد الرجال.