التفاسير

< >
عرض

وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
٩١
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٩٢
-النحل

النكت والعيون

قوله عز وجل: { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه النذور.
الثاني: ما عاهد الله عليه من عهد في طاعة الله.
الثالث: أنه التزام أحكام الدين بعد الدخول فيه.
{ ولا تنقضوا الأيمان بَعْدَ توكيدها } يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تنقضوها بالامتناع بعد توكيدها بالالتزام.
الثاني: لا تنقضوها بالعذر بعد توكيدها بالوفاء.
الثالث: لا تنقضوها بالحنث بعد توكيدها بالِبّر.
وفي هذه الآية ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: أنها نزلت في الحلف الذي كان في الجاهلية بين أهل الشرك، فجاء الإسلام بالوفاء به.
الثالث: أنها نزلت في كل عقد يمين عقده الإنسان على نفسه مختاراً يجب عليه الوفاء به ما لم تدع ضرورة إلى حله.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"فليأت الذي هو خير" محمول على الضرورة دون المباح. وأهل الحجاز يقولون. وكّدت هذه اليمين توكيداً، وأهل نجد يقولون أكدتها تأكيداً.
قوله عز وجل: { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً } وهذا مثل ضربه الله تعالى لمن نقض عهده، وفيه قولان:
أحدها: أنه عنى الحبْل، فعبر عنه بالغزل، قاله مجاهد.
الثاني: أنه عنى الغزل حقيقة.
{ من بعد قوة } فيه قولان:
أحدهما: من بعد إبرام. قاله قتادة.
الثاني: أن القوة ما غزل على طاق ولم يثن.
{ أنكاثاً } يعني أنقاضاً، واحده نكث، وكل شيء نقض بعد الفتل أنكاثٌ.
وقيل أن التي نقضت غزلها من بعد قوة امرأة بمكة حمقاء، قال الفراء: إنها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرّة، سميت جعدة لحمقها، كانت تغزل الصوف ثم تنقضه بعدما تبرمه، فلما كان هذا الفعل لو فعلتموه سفهاً تنكرونه كذلك نقض العهد الذي لا تنكرونه.
{ تتخذون أيمانكُمْ دَخَلاً بينكُمْ } فيه ستة تأويلات:
أحدها: أن الدخل الغرور.
الثاني: أن الدخل الخديعة.
الثالث: أنه الغل والغش.
الرابع: أن يكون داخل القلب من الغدر غير ما في الظاهر من لزوم الوفاء.
الخامس: أنه الغدر والخيانة، قاله قتادة.
السادس: أنه الحنث في الأيمان المؤكدة.
{ أن تكون أمة هي أربى من أمة } أن أكثر عدداً وأزيد مدداً، فتطلب بالكثرة أن تغدر بالأقل بأن تستبدل بعهد الأقل عهد الأكثر. وأربى: أفعل الربا، قال الشاعر:

أسمـر خطيّـاً كـأنّ كعـوبه نوى القسب أو أربى ذراعاً على عشر