قوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُم } يعني أهل مكة، لما تقدم من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
أن يجعلها عليهم سنين كسني يوسفَ حين قحطوا سبع سنين، فقال الله تعالى
مجيباً لدعاء نبيه: { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالجُوعِ } الخوف يعني الفزع
في القتال، والجوع يعني المجاعة بالجدب.
{ وَنَقْصٍ مِّنَ الأمَوَالِ } يحتمل وجهين:
أحدهما: نقصها بالجوائح المتلفة.
والثاني: زيادة النفقة في الجدب.
{ وَالأَنفُسِ } يعني ونقص الأنفس بالقتل والموت. { وَالثَّمَرَاتِ } قلة
النبات وارتفاع البركات.
{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: وبشر الصابرين على الجهاد بالنصر.
والثاني: وبشر الصابرين على الطاعة بالجزاء.
والثالث: وبشر الصابرين على المصائب بالثواب، وهو أشبه لقوله من بعد:
{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } يعني: إذا
أصابتهم مصيبة في نفس أو أهل أو مال قالوا: إنا لله: أي نفوسنا وأهلونا وأموالنا
لله، لا يظلمنا فيما يصنعه بنا { وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } يعني بالبعث في ثواب
المحسن ومعاقبة المسيء.
ثم قال تعالى في هؤلاء: { أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } الصلاة اسم مشترك المعنى فهي من الله تعالى الرحمة،
ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء، كما قال تعالى: { إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً }. وقال
الشاعر:
صلّى على يحيى وأشياعه رَبٌّ كريمٌ وشفيع مطاع
قوله تعالى: { أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِّن رَّبِّهِمْ } أي رحمة، وذكر ذلك
بلفظ الجمع لأن بعضها يتلو بعضاً.
ثم قال: { وَرَحْمَةٌ } فأعادها مع اختلافها للفظين لأنه أوكد وأبلغ كما قال:
{ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى }.
وفي قوله تعالى: { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } وجهان محتملان:
أحدهما: المهتدون إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.
والثاني: المهتدون إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر.