قوله عز وجل: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ في رَبِّهِ } هو النمرود بن
كنعان، وهو أول من تجبّر في الأرض وادّعى الربوبية.
{ أَنْ ءَاتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ } فيه قولان:
أحدهما: هو النمرود لما أوتي الملك حاجَّ في الله تعالى، وهو قول
الحسن.
والثاني: هو إبراهيم لما آتاه الله الملك حاجّه النمرود، قاله أبو حذيفة.
وفي المحاجّة وجهان محتملان:
أحدهما: أنه معارضة الحجة بمثلها.
والثاني: أنه الاعتراض على الحجة بما يبطلها.
{ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ: أَنَا أُحْي وَأُمِيتُ } يريد
أنه يحيي من وجب عليه القتل بالتخلية والاستبقاء، ويميت بأن يقتل من غير سبب
يوجب القتل، فعارض اللفظ بمثله، وعدل عن اختلاف الفعلين في علتهما.
{ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فإنَّ اللهَ يَأْتي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغرِبِ }
فإن قيل: فَلِمَ عَدَل إبراهيم عن نصرة حجته الأولى إلى غيرها، وهذا يضعف
الحجة ولا يليق بالأنبياء؟ ففيه جوابان:
أحدهما: أنه قد ظهر من فساد معارضته ما لم يحتج معه إلى نصرة حجته
ثم أتبع ذلك بغيره تأكيداً عليه في الحجة.
والجواب الثاني: أنه لمّا كان في تلك الحجة إشغاب منه بما عارضها به من
الشبهة أحب أنه يحتج عليه بما لا إشغاب فيه، قطعاً له واستظهاراً عليه قال:
{ فإنَّ اللهَ يَأْتي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغرِبِ } فإن قيل فَهَلاَّ عارضه
النمرود بأن قال: فليأت بها ربك من المغرب؟ ففيه جوابان:
أحدهما: أن الله خذله بالصرف عن هذه الشبهة.
والجواب الثاني: أنه علم بما رأى معه من الآيات أنه يفعل فخاف أن يزداد
فضيحة.
{ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } فيه قولان:
أحدهما: يعني تحيّر.
والثاني: معناه انقطع، وهو قول أبي عبيدة.
وقرئ: فَبَهَت الذي كفر بفتح الباء والهاء بمعنى أن الملك قد بهت إبراهيم
بشبهته أي سارع بالبهتان.
{ واللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يعينهم على نصرة الظلم.
والثاني: لا يُخلِّصُهم من عقاب الظلم. ويحتمل الظلم هنا وجهين:
أحدهما: أنه الكفر خاصة.
والثاني: أنه التعدي من الحق إلى الباطل.