قوله تعالى: { وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ } فيه قولان:
أحدهما: أن الأُمّي: الذي لا يكتب ولا يقرأ، وهو قول مجاهد وأظهرُ
تأويله.
والثاني: أنَّ الأُمّيين: قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، وكتبوا كتاباً بأيديهم، وقال الجهال لقومهم: هذا من عند الله، وهذا قول ابن
عباس.
وفي تسمية الذي لا يكتب بالأمي قولان:
أحدها: أنه مأخوذ من الأمة، أي على أصل ما عليه الأمّة، لأنه باق على
خلقته من أنه لا يكتب، ومنه قول الأعشى:
وإنّ معاويةَ الأكرمين حسانُ الوجوه طوال الأمَمْ
والثاني: أنه مأخوذ من الأُم، وفي أخذه من الأُم تأويلان:
أحدهما: أنه مأخوذ منها، لأنه على ما ولدته أُمُّهُ من أنه لا يكتب.
والثاني: أنه نُسِبَ إلى أُمّهِ، لأن الكتاب في الرجال دون النساء، فنسب من
لا يكتب من الرجال إلى أمه، لجهلها بالكتاب دونه أبيه.
وفي قوله تعالى: { لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } أربعة تأويلات:
أحدها: إِلاَّ أَمَانِيَّ: يعني: إلا كذباً، قاله ابن عباس ومجاهد، قال
الشاعر:
ولكنما ذاك الذي كان منكما أمانّي ما لاقت سماء ولا أرضا
والثاني: إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني، أنهم يَتَمَنَّونَ على الله ما ليس لهم، قاله
قتادة.
والثالث: إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني [إلا أماني يعني إلا تلاوة من غير فهم قاله
الفراء والكسائي ومنه قوله تعالى: { { إلاَّ إذَا تَمَنَّى ألْقَى الشيْطَانُ في أمنيِّتِه } [سورة
الحج: 52] يعني ألقى الشيطانُ في أُمنيِّتِه، وقال كعب بن مالك:
تمنّى كتاب الله أول ليلهِ وآخرَه لاقي حمام المقادر
والرابع: أنَّ الأَمَانِيَّ: التقدير، حكاه ابن بحر وأنشد قول الشاعر:
ولا تقولَنْ لشيء سوف أفعله حتى تَبَيّنَ ما يمني لك الماني
(وإلا): في هذا الموضع بمعنى (لكن) وهو عندهم من الاستثناء المنقطع
ومنه قوله تعالى: { { مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنَّ } [النساء: 157] قال النابغة:
حلفت يميناً غير ذي مثنوية ولا علم إلا حسن ظن بصاحب
{ وَإِنْ هُم إِلاَّ يَظُنُّونَ } فيه وجهان:
أحدهما: يكذبون، قاله مجاهد.
والثاني: يحدثون، قاله البصريون.
قوله تعالى: { فَوَيلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم } في الويل ستة
أقاويل:
أحدها: أنه العذاب، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه التقبيح، وهو قول الأصمعي. ومنه قوله تعالى: { { وَلَكُمُ
الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } [الأنبياء: 18].
وقال الشاعر:
كسا اللؤم سهما خضرة في جلودها فويل لسهم من سرابيلها الخُضْرِ
والثالث: أنه الحزن، قاله المفضل.
والرابع: أنه الخزي والهوان.
والخامس: أن الويل وادٍ في جهنم، وهذا قول أبي سعيد الخدري.
والسادس: أنه جبل في النار، وهو قول عثمان بن عفان.
{ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم } أي يغيرون ما في الكتاب من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
ونعته.
وفي قوله تعالى: { بِأَيدِيهِم } تأويلان:
أحدهما: أنه أراد بذلك تحقيق الإضافة، وإن كانت الكتابة لا تكون إلا باليد، كقوله تعالى: { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ }.
والثاني: أن معنى { بِأَيْدِيهِم } أي من تلقاء أنفسهم، قاله ابن السراج.
وفي قوله تعالى: { لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنَاً قَلِيلاً } تأويلان:
أحدهما: ليأخذوا به عرض الدنيا، لأنه قليل المدة، كما قال تعالى:
{ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ } وهذا قول أبي العالية.
والثاني: أنه قليل لأنه حرام.
{ وَوَيلٌ لَّهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ } فيه وجهان:
أحدهما: من تحريف كتبهم.
والثاني: من أيام معاصيهم.