التفاسير

< >
عرض

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
٣٦
رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ
٣٧
لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٣٨
-النور

النكت والعيون

قوله: { فِي بُيُوتٍ } في هذه البيوت قولان:
أحدهما: أنها المساجد، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد.
الثاني: أنها سائر البيوت، قاله عكرمة.
{ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ } أربعة أوجه:
أحدها: أن تُبْنَى، قاله مجاهد كقوله: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ } أي يبني.
الثاني: أنها تطهر من الأنجاس والمعاصي، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أن تعظم، قاله الحسن.
الرابع: أن ترفع فيها الحوائج إلى الله.
{ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: يتلى فيها كتابه، قاله ابن عباس.
الثاني: تذكر فيها أسماؤه الحسنى، قاله ابن جرير.
الثالث: توحيده بأن لا إله غيره، قاله الكلبي.
وفيما يعود إليه ذكر البيوت التي أذن الله أن ترفع قولان:
أحدهما: إلى ما تقدم من قوله: كمشكاة فيها مصباح في بيوت أذن الله.
الثاني: إلى ما بعده من قوله: { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا } وفي هذا التسبيح قولان:
أحدهما: أنه تنزيه الله.
الثاني: أنه الصلاة، قاله ابن عباس والضحاك.
{ بالْغَدُوِّ وَالآصَالِ } الغدو جمع غَدوة والآصال جمع أصيل وهي العشاء.
{ رِجالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } قال الكلبي: التجار هم الجلاب المسافرون، والباعة هم المقيمون.
{ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } فيه وجهان:
أحدهما: عن ذكره بأسمائه الحسنى.
الثاني: عن الأذان، قاله يحيى بن سلام. { تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبِ وَالأبْصَارُ } فيه خمسة أوجه:
أحدها: يعني تقلبها على حجر جهنم.
الثاني: تقلب أحوالها بأن تلفحها النار ثم تنضجها وتحرقها.
الثالث: أن تقلب القلوب وجيبها، وتقلب الأبصار النظر بها إلى نواحي الأهوال.
الرابع: أن تقلب القلوب بلوغها الحناجر، وتقلب الأبصار الزّرَق بعد الكحل، والعمى بعد البصر.
الخامس: أن الكافر بعد البعث ينقلب قلبه على الكفر إلى الإيمان وينقلب بصره عما كان يراه غياً فيراه رشداً.
{ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } فذكر الجزاء على الحسنات ولم يذكر الجزاء على السيئات وإن كان يجازى عليها لأمرين:
أحدهما: أنه ترغيب فاقتصر على ذكر الرغبة.
الثاني: أنه يكون في صفة قوم لا تكون منهم الكبائر فكانت صغائرهم مغفورة.
{ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } يحتمل وجهين:
أحدهما: ما يضاعفه من الحسنة بعشر أمثالها.
الثاني: ما يتفضل به من غير جزاء.
{ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } فيه أربعة أوجه:
أحدها: بغير جزاء بل يسديه تفضلاً.
الثاني: غير مقدر بالكفاية حتى يزيد عليها.
الثالث: غير قليل ولا مضيق.
الرابع: غير ممنون به.
وقيل لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قباء فحضر عبد الله بن رواحة فقال: يا رسول الله قد أفلح من بنى المساجدا؟ قال:
"نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ" قال، وصلى فيها قائماً وقاعداً قال: "نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةِ" قال: ولم يبت لله إلا ساجداً؟ قال: "نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ. كُفّ عَنِ السَّجْعِ فَمَا أُعْطِيَ عَبْدٌ شَيئاً شَرّاً مِن طَلاَقَةِ لِسَانِهِ" .