قوله تعالى: { قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ } فيه ثلاث تأويلات:
أحدها: يعني الحلال والحرام، قاله الحسن.
والثاني: المؤمن والكافر، قاله السدي.
والثالث: الرديء والجيد.
{ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخبِيثِ } يعني أن الحلال والجيد مع قلتهما خير وأنفع
من الحرام والرديء مع كثرتهما.
قال مقاتل: نزلت هذه الآية في حُجَّاجِ اليمامة وقد هَمَّ المسلمون بأحدهم.
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }
اختلف أهل التأويل في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقوال:
أحدها: ما روى أنس بن مالك قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
ألحفوه بالمسألة، فصعد المنبر ذات يوم فقال: "لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُ
لَكُمْ" قال أنس: فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فأرى كل الناس لاق ثوبه فى رأسه
يبكي، فسأل رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال: يا رسول الله مَنْ أبي؟
فقال: " أَبُوكَ حُذَافَةُ" فأنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد
عليه السلام رسولاً عائذاً بالله من سوء الفتن، فأنزل الله تعالى: { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ
أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }.
والثاني: ما روى الحسن بن واقد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة
قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أَيُّهَا النَّاسُ كَتبَ اللَّهُ عَلَيكُمُ الحَجَّ
فَحِجُّوا" فقام محصن الأسدي وقال: في كل عام يا رسول الله؟ فقال: "أَمَا إِنِّي
لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ ثُمَّ تَرَكْتُم لَضَلِلْتُمْ، اسْكَتُوا عَنِّي مَا سَكَتُّ
عَنْكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبَْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ واخْتِلاَفِهِم عَلَى أَنْبِيائِهِمْ" فأنزل
الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُوا... }.
والثالث: أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحيرة والسائبة
والوصيلة والحام، قاله ابن عباس.
{ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرءَانُ تُبْدَ لَكُمْ } جعل نزول القرآن عند
السؤال موجباً بتعجيل الجواب.
{ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } فيها قولان:
أحدهما: عن المسألة.
والثاني: عن الأشياء التي سألوا عنها.
قوله تعالى: { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } فيه أربعة
تأويلات:
أحدها: قوم عيسى سألوه المائدة، ثم كفروا بها، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم قوم صالح سألوا الناقة، ثم عقروها وكفروا به.
والثالث: أنهم قريش سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحوِّل لهم الصفا ذهباً،قاله
السدي.
والرابع: أنهم القوم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أبي؟ ونحوه، فلما
أخبرهم به أنكروه وكفروا به، قاله بعض المتأخرين.