قوله تعالى:{ يَا أْيُّهَا الَّذيِنَ ءَامَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ.... } الآية.
اختلف في سبب نزولها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما روى ابن إسحاق عن أبي ميسرة قال: قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فزلت الآية التي في
البقرة: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } فَدُعِيَ عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم
بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في سورة النساء: { لاَ تَقْرَبُواْ
الصَّلاَةَ وَأَنْتُم سُكَارَى } وكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة ينادي لا
يقربن الصلاة سكران، فَدُعِيَ عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر
بياناً شافياً، فنزلت التي في المائدة { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ } إلى قوله تعالى:
{ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } فقال عمر: انتهينا، انتهينا.
والثاني: أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص وقد لاحى رجلاً على شراب،
فضربه الرجل بلحي جمل، ففزر قاله مصعب بن سعد.
والثالث: أنها نزلت في قبيلتين من الأنصار ثملوا من الشراب فعبث بعضهم
ببعض، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، قاله ابن عباس.
فأما { الْمَيْسِرُ } فهو القمار.
وأما { الأنصَابُ } ففيها وجهان.
أحدهما: أنها الأصنام تعبد، قاله الجمهور.
والثاني: أنها أحجار حول الكعبة يذبحون لها، قاله مقاتل.
وأما { الأَزْلاَمُ } فهي قداح من خشب يُسْتَقْسَمُ بها على ما قدمناه.
قوله تعالى: { رِجْسٌ } يعني حراماً، وأصل الرجس المستقذر الممنوع
منه، فعبر به عن الحرام لكونه ممنوعاً منه.
ثم قال تعالى: { مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } أي مما يدعو إليه الشيطان ويأمر به
لأنه لا يأمر إلا بالمعاصي، ولا ينهى إلا عن الطاعات.
فلما حُرِّمَتِ الخمر قال المسلمون: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين
شربوها وماتوا قبل تحريمها، فَأنزل الله تعالى: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعِمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ }، يعني من الخمر قبل التحريم، { إِذَا مَا اتَّقَواْ }
يعني فى أداء الفرائض { وَّءَامَنُواْ } يعني بالله ورسوله { وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ }
يعني البر والمعروف، { ثُمَّ اتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُّم اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ } يعني بعمل
النوافل، فالتقوى الأولى عمل الفرائض، والتقوى الثانية عمل النوفل.