قوله عز وجل: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
هذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكر للناس حال عبادته ومن له الأمر في حياته
ومماته.
فقال { إِنَّ صَلاَتِي } وهي الصلاة المشروعة ذات الركوع والسجود المشتملة
على التذلل والخضوع لله تعالى دون غيره من وثن أو بشر.
ثم قال: { وَنُسُكِي } وفيه هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الذبيحة في الحج والعمرة، قاله سعيد بن جبير، ومجاهد وقتادة
والسدي والضحاك.
والثاني: معناه ديني، قاله الحسن.
والثالث: معناه عبادتي، قاله الزجاج، من قولهم فلان ناسك أي عابد، والفرق
بين الدين والعبادة: أن الدين اعتقاد، والعبادة عمل.
قوله تعالى: { وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } يحتمل وجهين:
أحدهما: أن حياته ومماته بيد الله تعالى لا يملك غيره له حياة ولا موتاً، فلذلك
كان له مصلياً وناسكاً.
والثاني: أن حياته لله في اختصاصها بطاعته، ومماته له في رجوعه إلى
مجازاته.
ووجدت فيها وجهاً ثالثاً: أن عملي في حياتي ووصيتي عند مماتي لله.
ثم قال: { رَبِّ الْعَالَمِينَ } صفة الله تعالى أنه مالك العالم دون غيره، فلذلك
كان أحق بالطاعة والتعبد من غيره.
ثم قال تعالى: { لاَ شَرِيكَ لَهُ } يحتمل وجهين:
أحدهما: لا شريك له في ملك العالمين.
والثاني: لا شريك له في العبادة.
{ وَبِذَالِكَ أُمِرْتُ } يعني ما قدم ذكره.
{ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } يعني من هذه الأمة حثّاً على اتباعه والمسارعة
بالإٍسلام.