التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٤٣
-الأعراف

النكت والعيون

قوله عز وجل: { ...قَالَ رَبِّ أَرِني أَنظُرُ إِلَيْكَ } الآية، في سؤال موسى ذلك لربه ثلاثة أقاويل: أحدها: ليرد عليه من جواب الله ما يحتج به على قومه حين قالوا: { { لَن نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } [البقرة: 55] مع علم موسى بأنه لا يجوز أن يراه في الدنيا.
والثاني: أنه كان يعلم ذلك باستدلال فأجب أن يعلمه ضرورة.
والثالث: أنه جوّز ذلك وظنه وأن رؤيته في الدنيا ممكنة، قاله الحسن، والربيع، والسدي.
فأجابه الله بأن { قَالَ لَن تَرَانِي }.
ثم أظهر في الجواب ما يعلم به استحالة مسألته فقال: { وَلَكِن انظُرْ إلىَ الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } لأن الجبل إذا لم يستقر لرؤيته فالإنسان بذلك أولى.
{ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ للِجَبَلِ } معنى تجلى ظهر مأخوذ من جلاء العروس إذا ظهرت، ومن جلاء المرآة إذا أضاءت.
وفي تجليه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه ظهر بآياته التي أحدثها في الجبل لحاضري الجبل.
والثاني: أنه أظهر للجبل من ملكوته ما تدكدك به، لأن الدنيا لا تقوم لما يبرز من ملكوت السماء.
والثالث: أنه أبرز قدر الخنصر من العرش.
والرابع: ظهر أمره للجبل.
{ جَعَلَهُ دَكّاً } فيه أربعة أقاويل:
أحدها: يعني مستوياً بالأرض، مأخوذ من قولهم ناقة دكاء إذا لم يكن لها سنام، قاله ابن قتيبة وابن عيسى.
والثاني: أنه ساخ في الأرض، قاله الحسن وسفيان.
والثالث: أنه صار تراباً، قاله ابن عباس.
والرابع: أنه صار قطعاً.
قال مقاتل: وكان أعظم جبل بمدين تقطع ست قطع تفرقت في الأرض، صار منها بمكة ثلاثة أجبل: ثبير وغار ثور وحراء. وبالمدينة ثلاثة أجبل: رضوى وأحد وورقان. والله أعلم.
{ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } فيه قولان:
أحدهما: ميتاً، قاله قتادة.
والثاني: مغشياً عليه، قاله ابن عباس، والحسن، ابن زيد.
قال ابن عباس: أخذته الغشية الخميس من يوم عرفة وأفاق عشية الجمعة وفيه نزلت عليه التوراة وهو يوم النحر العاشر من ذي الحجة، وفيها عشر آيات أنزلها الله في القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في ثماني عشرة من سورة بني إسرائيل.
{ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه تاب من الإقدام على المسألة قبل الإذن فيها.
والثاني: أنه تاب من اعتقاده جواز رؤيته في الدنيا.
والثالث: أنه قال ذلك على جهة التسبيح وعادة المؤمنين عند ظهور الآيات. الدالة على عظيم قدرته.
{ وَأَنَّاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } فيه قولان:
أحدهما: أول المؤمنين بأنه لا يراك شيء من خلقك، قاله ابن عباس، والحسن:
والثاني: وأنا أول المؤمنين من قومي باستعظام سؤال الرؤية.